يجهد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لإبقاء الخط الساخن شغّالا مع الرابية، حتى لو بَدت نتائج التواصل بين الجانبين كـ «فقاعات الصابون». آخر ظواهر «قيامة» الحوار العوني القواتي حذف حديث لمستشار جعجع العميد السابق وهبي قاطيشا لصحيفة «عكاظ» عن موقع «القوات» الالكتروني!
بدا قطيشا، في حديثه الى الصحيفة السعودية، وكانه لم يخرج بعد من خنادق «حرب الالغاء». وصف ميشال عون بأنه «وكيل بشار الاسد والنظام الايراني»، مؤكدا «ان انتخاب عون رئيسا للجمهورية هو آخر وأبعد قرار ممكن ان يتّخذه سمير جعجع. ونحن لن نقبل به رئيسا من اجل تغطية المشروع الايراني في لبنان».
رأي النائب جورج عدوان باحتمال وصول «الجنرال» الى قصر بعبدا كان ثقيلا على السمع فلم يصمد طويلا ايضا على الموقع نفسه. في حديث طويل الى الزميلة «النهار» قال عدوان «القوات التي ناضلت في كل تاريخها، وفي السنوات العشرالاخيرة، ضد ورقة التفاهم بين عون والحزب، على اي اساس ستؤيّده (عون)؟ هذا غير منطقي».
عمليا، لم يكن مقبولا كلام عدوان في ظل الحوار الطريّ المحمي برموش الرابية ومعراب، فعمدت إدارة تحرير الموقع، بناء على تعليمات وصفت بـ «الحزبية»، الى حذف حديث عدوان عن الموقع.
لكن حظوة نائب الشوف في معراب اكبر على ما يبدو من تلك التي يتمتع بها قاطيشا، كما ان زلّة الاول لا تقارن بهجوم «المستشار» على «الجنرال»، فحصل تدخّل مباشر أدى سريعا الى عودة عدوان الى «واجهة» اخبار الموقع.
هكذا، وبعد «قنبلتيّ» عدوان وقاطيشا أصدرت الدائرة الاعلامية في «القوات» بيانا توضيحيا جاء فيه «تناول بعض وسائل الاعلام في الاربع والعشرين ساعة الاخيرة، مواقف لرفاق جرى استثمارها على غير خلفيـتها الحقيقية وبشكل معتور، لا يعبّر عن الموقف الحقيقي والدقيق للقوات».
وأكد البيان ان «القوات تعلّق اهمية كبرى على الحوار الجاري بينها وبين التيار الوطني الحرّ، في الملفات كافة، بما فيها رئاسة الجمهورية، وهي لا تضع أي فيتو على أيّ أحد».
وفي هذا السياق، يؤكّد مصدر قواتي على أمرين: الاول ان ليس هناك تنافس على الملفات داخل «القوات». فكل واحد يستلم ملفاً خاصاً به ويكلّف بإنجازه. وفي موضوع الحوار بين «القوات» و «التيار» ملحم رياشي هو موفد سمير جعجع الخاص لدى ميشال عون ويعمل بتوجيهاته مباشرة، وكل ما يتفوّه به منسّق بالكامل مع رئيس حزب «القوات». اما التصريحات التي تصدر أحيانا من خارج سياق التهدئة فيمكن وصفها بالاخطاء بالتعبير التي تحصل عند الجميع، بما فيها «التيار الوطني الحر». كما ان البعض قد لا يمتلك أحيانا المعطيات الكافية حول الحوار الدائر بين الجانبين. أما الامر الثاني فإن البيان يعبّر عن النوايا الحسنة تجاه الفريق الاخر الذي نتحاور معه.
ويرى قواتيون، في المقابل، ان المهمة المولج بها رياشي تفرض عليه نمطا معينا من التصريحات الاستيعابية والديبلوماسية، لكن هذا الواقع لا يمكن ان يفرض على بقية «الرفاق» في الحزب الذين تبقى لهم مساحة خاصة في التعبير. هكذا سيبدو جليا الفارق، برأيهم، بين ما يعمّمه رياشي من أجواء توحي بأن التفاوض حول الملف الرئاسي ليس مقفلا، وبين ما يجهد بعض قياديي الحزب لابرازه يوميا بأن احتمال موافقة جعجع على عون رئيسا «غير وارد حتّى في الاحلام»!
وفي مقابل «جوقة النشاز» القواتية في مقاربة مشروع كسر الحواجز مع العونيين، تسعى الرابية بدورها الى ضبضبة كل «ألسنة النميمة» بحق جعجع و «القوات». لكن بدا لافتا ان من انتظر في معراب لوما او عقابا بحق جان عزيز مسؤول قسم الاخبار والبرامج السياسية بعد عرض فيديو «ستريدا جعجع والجنوب» رأى عزيز في اليوم التالي مشاركا في اللقاء الذي جمع مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو والعماد عون في الرابية، ثم واكب عزيز وهو يقطع قالب الحلوى في عيد ميلاد «الجنرال» في 18 شباط!
لكن آخر تجلّيات تبريد الاجواء برزت في زيارة الواجب التي قام بها الوزير جبران باسيل الى دارة النائب انطوان زهرا لتقديم العزاء بوفاة والدته.
فحتّى في زمن الحوار القواتي العوني غير المسبوق، الذي يبرّر هذا النوع من الزيارات، تكتسب هكذا مبادرة ابعادا لا يمكن فصلها عن مسار العلاقة بين الطرفين، وتحديدا بين باسيل وزهرا اللذين يتواجهان انتخابيا وسياسيا منذ العام 2005 على أرض البترون.
عام 2009 لم تكن فكرة الحوار تخطر على بال أحد من العونيين والقواتيين، وكان النائب بطرس حرب يقف بالمرصاد للتمدّد البرتقالي في القضاء. مع ذلك قصد حرب دارة باسيل معزيا إياه بوفاة والده، كذلك فعل النائب سامر سعادة، فيما آثر النائب زهرا عدم الدخول في متاهة الواجبات الاجتماعية التي قد تكسر جليد الخلاف مع باسيل.
لكن للحوار اليوم «مفعوله» السريع، وإن كان مجرد واجب لا أكثر ولا أقل. العارفون يؤكدون انه لا واجب عزاء، ولا حتى ورقة تفاهم مكتوبة مع معراب يمكن ان تغيّر من قدر المواجهة المحتّمة على أرض البترون بين «القوات» و «التيار الوطني الحر».
إذا الصورة الوحيدة التي جمعت باسيل وزهرا على كنبة واحدة لا تعني شيئا حين يحضر الحديث عن التحالفات الممكنة على ضوء التقارب المعلن بين الرابية ومعراب. ينقل مقرّبون عن النائب بطرس حرب قوله انه حين التقى جعجع بعد فترة من بدء الحوار بين «القوات» و «التيار» أسر له الاخير بأنه ليس بوارد ان يصل الى مكان مع ميشال عون، وأن جلّ ما يريده هو استيعابه فقط!
وللمفارقة، فإن بعض العونيين ينظرون اليوم بكثير من التقدير الى حرب الذي لم يستغلّ، برأيهم، وزارة الاتصالات للتشفّي من العونيين، فقام بالآتي: حافظ على الفائض العوني التي اتى به كل من جبران باسيل ونقولا صحناوي، واضاف اليه «فائضا» جديدا من المحسوبين على نائب جرد البترون. أما حين يحضر الحديث عن زهرا فمضبطة الاتهام حاضرة بحق نائب البترون!
يتذكّر العونيون كيف وقف بطرس حرب وانطوان زهرا بالمرصاد امام مشروع بناء سدّ بلعا في تنورين، بعد موافقة حكومة نجيب ميقاتي على هبة ايرانية بقيمة 40 مليون دولار لتمويل المشروع.
لم ير نائبا المنطقة في هذه الخطوة «المشبوهة» سوى محاولة عسكرية امنية ايرانية لاختراق البترون من قبل «حزب الله»، حيث كانت الهبة مشروطة بقيام شركة «تابان» الايرانية بالتنفيذ.
ممثلا «14 آذار» في البترون وجدا يومها ان هذه الشركة تحرّك باصابع «الحرس الثوري الايراني»، كما ان العقوبات المفروضة على ايران تمنع حكومة ميقاتي من تسييل الهبة، حتى لو قضت التسوية آنذاك بأن تقوم شركة لبنانية بالتنفيذ بإشراف الايرانيين.
وسيتذكّر العونيون أيضا كيف وقف زهرا بالمرصاد «لعملية تسليم أسلحة وبيعها للعونيين»، وحربه الشاملة ضد باسيل حين كان وزيرا للاتصالات ثم الطاقة! الفارق، بنظرهم، بين حرب وزهرا هو ان «الاول يضطر الى التحريض ضدنا فقط في زمن الانتخابات وهذا مشروع وحق له، أما زهرا فهو يتنفّس حقدا ليل نهار».
«تكتل التغيير»: حوارنا في خواتيمه
تسلّم أمين سرّ «تكتل التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان، أمس، من رئيس جهاز الإعلام في «القوات اللبنانية» ملحم رياشي ملاحظات رئيس حزب «القوات» سمير جعجع على مسودة «إعلان النوايا» بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية».
وعلم أن كنعان سيسلّم العماد ميشال عون اليوم مسودة الورقة المشتركة لدرسها قبل الانتقال نحو المرحلة التالية من الحوار بين الطرفين.
وكان «تكتل التغيير والإصلاح» قد أكد ان «الحوار مع القوات اللبنانية مستمرّ وفق التالي: الجمهورية أوّلاً من ثمّ الضّمانة. أي من يضمن، وما هي آلية التّنفيذ»، مشيرا الى «اننا وصلنا إلى هذه المربّعات، وقد أصبحت الأمور في خواتيمها الخطية».
ورحب، في بيان تلاه الوزير السابق سليم جريصاتي عقب اجتماعه الاسبوعي برئاسة النائب العماد ميشال عون في الرابية، بـ «قرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بمعاودة تشريع الضّرورة عند بدء العقد التّشريعي الحالي في 17 آذار الجاري». واشار الى ان «هناك قوانين كثيرة تهمّ التكتّل والناس تنتظر مناقشتها في الهيئة العامة بهدف إقرارها». ورأى البيان أن «خلو سدّة الرئاسة لا يعني أن تنأى باقي السّلطات بنفسها عن ممارسة اختصاصاتها، فيُستغلّ هذا النأي باختزال هذه السّلطات بقراراتٍ وزاريةٍ متهوّرة ومخالفة للدّستور والقانون».
واكد جريصاتي أنّ «استجواب الحكومة بشأن القرارات التي تمّ اختزالها فيها، بمعرفتها، أمرٌ لا محالة منه، وهو قيد التحضير، وهو تحذيرٌ للحكومة بمدى جدّيٍ وكبير».