قد لا تكون حكومة الرئيس سعد الحريري اليوم امام امتحان مستعصٍ. منذ قرار المجلس الدستوري تبدو متضامنة حيال اجراءاتها، متوافقة مع مجلس النواب على الدفاع عن النفس في مواجهة المجلس الدستوري، لكن من غير ان يتمكنا من تعطيل قراره
امام جلسة مجلس الوزراء اليوم، في حصيلة مناقشات جلسة الاحد والاتصالات التي اعقبتها حتى مساء البارحة، استخلاص المعطيات الآتية:
اولها، ان مجلس الوزراء بافرقائه جميعاً متضامن في مواجهة العاصفة التي قابله بها قرار المجلس الدستوري الجمعة الفائت، الا انه مستاء منه ايضاً.
بأفرقائه جميعاً تقريباً، يعتقد مجلس الوزراء بأن المجلس الدستوري تجاوز نطاق صلاحياته المنصوص عليها عندما ابطل قانون الضرائب لانطوائه ــــ بحسب القرار ــــ على مخالفات دستورية شتى، واصر على ادماجه في قانون الموازنة العامة. على انه لم يشأ الدخول في سجال مع المجلس الدستوري، مكتفياً باعلان احترام قراره هذا على مضض وإن هو يرفضه.
ثانيها، ان مجلس الوزراء لم يفاجئه ابطال المادتين 11 و17 في قانون الضرائب بحجة غموض الاول ما يسهّل استنساب تطبيقه ملتوياً، وتحميل الثاني ضريبة مزدوجة على المهن الحرة تضرب العدالة والمساواة. توقع مجلس الوزراء ابطالهما، مقدار توقعه ان يصير الى ابطال قانون الضرائب جزئياً لا ان يشمل قرار المجلس الدستوري القانون برمته. تبعاً لمداولات جلسة الاحد، فإن مجلس الوزراء كان في صدد ادخال تعديل على هاتين المادتين يُدمج في مشروع قانون موازنة 2017، يعلق مضمونهما على نحو ورودهما في قانون الضرائب.
ثالثها، لا يبرىء بعض الوزراء القرار من خلفيات سياسية محددة، قد يكون ابرزها موقف رئيس الجمهورية ميشال عون في مجلس الوزراء لاسابيع خلت، حينما تحفظ عن فصل قانون الضرائب عن قانون الموازنة. في المقابل لم يتدخل اي من المراجع الرسمية لدى اعضاء في المجلس الدستوري القريبين منهم لاتخاذ موقف يدعم الفصل بين القانونين. خلافاً للطعن الذي تقدم بها الرئيس السابق ميشال سليمان ضد تمديد ولاية مجلس النواب عام 2013، وحيل دون التئام المجلس الدستوري حينذاك وعُطّل نصابه بتدخل مراجع رئيسية في البلاد للحؤول دون النظر فيه حتى، فإن المجلس الدستوري نفسه اصغى باهتمام الى كلام الرئيس الحالي، فأوحى قراره انه يستجيب ارادته، من دون ان يتدخل لديه.
رابعها، من شأن قرار المجلس الدستوري تقييد احد اختصاصات مجلس النواب في التشريع، لا سيما تلك المتصلة بالتشريع الضريبي. تبعاً للمادة 81 من الدستور ليس للبرلمان احداث ضريبة جديدة الا بقانون. بيد ان المادة هذه لم تفرض ادماج الضريبة المحدثة في قانون الموازنة. ناهيك بأن مجلس النواب على امتداد سنوات طويلة اقر كمّاً لا يحصى من الضرائب بقوانين منفصلة، في اوقات لم تكن ثمة موازنة في البلاد حتى. بالتالي فإن هذا الاختصاص مطلق، غير مقيّد سوى بما اشترطته المادة 81، ولا يحتمل الاجتهاد.
قد يكون اقرب مثال على هذا الجانب ان مجلس النواب صادق في جلسته الاخيرة في 19 ايلول، على قانون يصب في ما رفضه المجلس الدستوري، هو قانون الاحكام الضريبية المتعلقة بالانشطة البترولية. ما يجعل من المشكلة التي تسبّب فيها قرار المجلس الدستوري انه يمسي وجهاً لوجه امام البرلمان، اذ يقارب كل منهما مسألة التشريع الضريبي على نحو مناقض. وقد لا يكون من السهل الاعتقاد بأن المجلس، ورئيسه نبيه بري، سيهضمان الاجتهاد الجديد او يوافقان عليه. اولى اشارات هذا التحفظ موقف رئيس البرلمان البارحة بالذات، رافضاً اياه وحاصراً صلاحية المجلس الدستوري بمناقشة دستورية القوانين لا اختصاص مجلس النواب.
خامسها، بلا مكابرة لا يسع حكومة الرئيس سعد الحريري سوى احترام تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي لم يأتِ عليه المجلس الدستوري، ولم يكن في معرض الطعن به. ليس لها ــــ وهو في الواقع قرارها كما يقول وزير بارز ــــ سوى تسديد الرواتب الجديدة للمستفيدين منها في مطلع الشهر المقبل. في المقابل ستكون معنية باحترام قرار ابطال قانون الضرائب.
اما المرحلة التالية، فيشوبها غموض موقت مرتبط باتصالات يجريها في الساعات القليلة التالية الحريري ببري، على ان يتواصل رئيس المجلس مع رئيس الجمهورية بغية الوصول الى مخرج يجري تداوله في هدوء: ادماج الضرائب في قانون الموازنة ما خلا المادتين 11 و17، بحيث يصير الى ارسالهما الى البرلمان في مشروع قانون معجل يصير الى اقراره. فحوى التواصل مع عون، التأكد من موافقته على توقيع قانون المادتين 11 و17 وعدم رده الى مجلس النواب.
قد لا يكون من السهل الحصول على موافقة الرئيس على هذا الخيار، ما دام متمسكاً بقرار المجلس الدستوري، ولا يستثني هو الآخر احداث اي ضريبة خارج قانون الموازنة. لكن ثمرة ادماج الضرائب في قانون الموازنة يفتح الباب على مشكلة اكثر استعصاء من هذه وتلك، ضمّنها ايضاً قرار المجلس الدستوري. الا انها تكمن كذلك في صلب المادة 87 من الدستور هي اقرار قطع الحساب. لا يسع البرلمان اقرار الموازنة العامة، بضرائب محدثة او من دونها، ما لم يصادق عليه اولاً.
انها العقبة الكأداء بين تيار المستقبل كونه الطرف المعني والمباشر بها الرئيس فؤاد السنيورة وليس الحريري وبين التيار الوطني الحر مذ اصدر الاخير كتاب «الابراء المستحيل»، كما بين تيار المستقبل ورئيس مجلس النواب الذي لا ينفك يسأل السنيورة عن 11 مليار دولار طارت من خزينة الدولة بين عامي 2005 و2008 من دون ان تكون فيها قصاصة ورق او فاتورة او ايصال حتى.
ما يعنيه الخوض في قطع الحساب التنازل عن كل ما قيل عن السنيورة والحملات التي تواصلت عليه طوال 15 عاماً بلا توقف، الى ان تجمدت عند ابواب التسوية السياسية بين التيارين كي تفضي الى انتخاب عون رئيساً للجمهورية قبل 11 شهراً.
اللهم الا اذا مشى البرلمان في ما اقترحه وزير العدل سليم جريصاتي، وتبناه رئيس الجمهورية، وهو تعليق تطبيق المادة 87 القائلة بأولوية اقرار قطع الحساب على اقرار الموازنة.
لكن المهم في الامر كذلك ان ما تبناه رئيس الجمهورية، لا يزال رئيس مجلس النواب يعارضه.