مجدّداً، تتعرّض المصارف لضغوط مالية اضافية مرتبطة بضرائب ورسوم على الدخل والأرباح. وفي حين بدأ القيّمون على القطاع تحركات للتصدّي للموضوع، يتبيّن ان المشكلة تكمن في القانون الذي بات نافذاً، ولا يمكن الطعن به.
أصدر وزير المالية علي حسن خليل قراراً أخضع بموجبه لضريبة الـ7 في المئة، فوائد وعائدات وإيرادات ورؤوس الأموال المنقولة الناتجة عن الحسابات الدائنة كافة المفتوحة لدى المصارف العاملة في لبنان، بما فيها حسابات التوفير، والودائع، وسائر الالتزامات المصرفية، ومنها شهادات الإيداع التي يصدرها البنك المركزي وسندات الخزينة بأي عملة كانت، بما فيها تلك التي قد يكتتب بها مصرف لبنان.
هذا القرار استدعى اجتماعا استثنائيا لجمعية المصارف امس لبحث تداعيات تعميم وزير المالية على المصارف خصوصا وان إخضاع فوائد ودائع المصارف في مصرف لبنان والودائع بين المصارف لضريبة الـ7 في المئة، سيزيد الاعباء على المصارف بحيث من المتوقع ان تصل عائدات الضريبة جراء تطبيق هذا القرار الى ما بين 320 و 350 مليون دولار سنوياً.
وفي حسبة سريعة قامت بها بعض المصارف، تبين ان هذا الامر سيرفع فعلياً الضرائب التي تدفعها المصارف على الدخل والارباح الى حوالي 45%، وهي نسبة غير مقبولة قياسا بالنسب التي تدفعها بقية الشركات والمؤسسات.
من المتوقع ان يجتمع وفد من جمعية المصارف اليوم مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في هذا الموضوع، كذلك سيعمد إلى طلب موعد لمقابلة وزير المال للغاية نفسها.
في خفايا القرار ومن وجهة نظر قانونية، شرح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر لـ«الجمهورية» أنه عندما كانت المادة التي تتضمن تعديل المادة 51 من القانون رقم 497 قيد الدرس، والتي تنص على تعديل الباب الثالث من قانون ضريبة الدخل، عملت المهن الحرة على متابعة الموضوع ومناقشته من مراحله الاولى عندما كان لا يزال مشروع قانون وارداً بموجب المرسوم 10415، وكان يمكن للمصارف التي شاركت في كل اللجان النيابية ان تفعل الامر نفسه.
هذا المرسوم 10415 الخاص بالمواد الضريبية لتمويل السلسلة طرح للبحث والتداول منذ العام 2013، اي 4 سنوات قبل اقراره، وتضمّن النص الاساسي حذف الفقرة «ثالثا» من المادة 51 التي نصت على: تستثنى من هذه الضريبة المبالغ المودعة لدى مصرف لبنان والتوظيفات لدى الحكومة من قبل دول اجنبية او مؤسسات تابعة لها او المؤسسات الدولية.
اما في الصياغة الجديدة التعديلية للمادة51، فقد الغي البند ثالثا ولم يعد يتضمّن عبارة المبالغ المودعة لدى مصرف لبنان التي تم التعويل عليها لادراج اعفاء الودائع والحسابات المفتوحة باسم المصارف لدى مصرف لبنان كما الودائع بين المصارف «interbank deposit» حسبما جاء ضمن بنود المادة الثانية من القرار رقم 403/1 الصادر في 18/3/2003 والذي حدد في حينه دقائق تطبيق المادة 51.
وذكر ضاهر انه في المادة 17 التابعة للقانون رقم 64 والذي عدّل المادة 51، طارت الفقرة ثالثا، وباتت تتضمن فقرتين فقط اولا وثانيا، وتقسمت ثانيا ما بين الربح الحقيقي والربح المقطوع، ومع تطيير «ثالثا» لم يعد هناك شيئ يتعلق بالمبالغ المودعة لدى مصرف لبنان.
أما القرار التطبيقي للمادة 51 في العام 2003 فقد وردت في المادة الثانية وفصّلت البند ثالثا الذي اورد: يستثنى الضربية 5% الودائع والحسابات المفتوحة باسم المصارف لدى مصرف لبنان، والودائع بين المصارف (interbank Deposit). ويفيد تعديل المادة 51 انه سيصدر قرار تطبيقي لتفسير تطبيق هذه المادة.
أما القرار الذي هو موضوع المشكلة اليوم رقم 1504/1 فقد حدد كيفية تطبيق المادة 51 من جديد، واشار الى القرار 403 واورد في المادة الاخيرة اي المادة 20: تلغى القرارات والتعليمات المخالفة له، بما يعني ان القرار الجديد الغى البند ثالث وحدد بالمادة الثالثة القرار 1504 بصورة واضحة من المستثنى من الضريبة وهما:
– الحسابات الدائنة المفتوحة لدى مصرف لبنان باسم الحكومة اللبنانية والبلديات واتحاد البلديات والمؤسسات العامة.
– الحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف العاملة في لبنان باسم البعثات الدبلوماسية والقنصلية الاجنبية.
وبهذه الطريقة يكون الغي interbank deposit وودائع الحسابات المفتوحة باسم المصارف المودعة لدى مصرف لبنان من ضمن القرار الجديد، وبالتالي لم يعد بمقدور المصارف اليوم لا الاعتماد على القانون ولا على القرار، لأن القانون لن يعفيهم بصورة صريحة ولا القرار يعطيهم المجال لتفسير النص مثلما كان عام 2003، كما ليس في امكانهم تقديم طعن بالموضوع، لأنه عندما كانت امامهم مهلة للطعن امام المجلس الدستوري لم يُقدموا على ذلك.
تابع: اما إذا ارتأت وزارة المالية تعديل القرار واعادة ادخال الاستثناء فسيكون قرارها معرّضا للطعن، يبقى الحل الوحيد اليوم استدراك الموضوع في قانون الموازنة الجديد، او ان يقدم احد النواب اقتراح قانون معجل مكرر لتعديل المادة 51.
رأي مصرفي
من وجهة نظر مصرفية، يقول الخبير المصرفي جو صروع لـ»الجمهورية»: بتنا نلاحظ مؤخراً ان هناك استسهالا في فرض ضرائب على المصارف، من دون ان يكون هناك اطلاع على طريقة عمل المصارف وما المطلوب منها وما التحديات التي تواجهها على المديين القريب والبعيد.
أضاف: كل الاطراف باتت تنظر الى المصارف من ناحية ارباحها فقط الا انها تغفل عن التزامات المصارف ولا تنظر اليها من ناحية الديون المتعثرة أو الاستثمارات التي يجب ان تقوم بها، خصوصا واننا سنبدأ بتطبيق IFRS الذي يحتاج الى رأسمال، أضف الى ذلك الكثير من التغييرات من ناحية الامتثال، والتطوّر التكنولوجي وغيرها الكثير من المتطلبات.
لذا برأيي الوقت غير مناسب اليوم لزيادة الضرائب على المصارف. وهم يتناسون الدور الذي لعبته المصارف للحفاظ على الاستقرار النقدي في البلد والحؤول دون اخراج الرساميل من البلاد والمحافظة على قيمة الليرة، خصوصا ابان الأزمة الاخيرة المتعلقة باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.
ولفت الى انه بسبب الأزمة زادت الفوائد على الودائع حوالي نقطتين، وهذه الودائع التي تبلغ قيمتها نحو 170 مليون دولار تقريبا ستستحق خلال 6 اشهر.
ناهيك عن انه من المتوقع ان ترتفع الفوائد العالمية على الدولار خلال العام 2018 بما يعني ان هناك تحديات عدة في انتظار المصارف في الفترة المقبلة وهي تحديات ربحية واخرى رأسمالية وتحديات تشغيلية واستثمارية. ولفت الى ان معدل المصاريف التشغيلية للمصارف مقابل الدخل باتت تشكل نحو 50 الى 55 في المئة وهذه النسب لا تعتبر مريحة ابداً.
ولفت صروع الى ان المصارف اللبنانية لديها ودائع لدى القطاع المصرفي العالمي لدواعي تشغيلية، الاموال الموجودة في الخارج توظف دون كلفتها الى حد كبير، وهي تقدر بنحو 15 في المئة من ودائع المصارف تراجعت اليوم الى ما بين 9 و 10 في المئة، بما يعني انها توظف بخسارة فكيف يمكن اليوم فرض ضريبة 7% عليها، لزيادة الخسائر؟
ولفت الى ان الاموال الموضوعة في مصرف لبنان هي ايضا دون كلفتها، فكيف يمكن رفع الضريبة عليها؟ كما اشار الى ان جزء من الاموال الموضوعة في interbank او مع البنك المركزي تستعمل للدفاع عن الليرة وتوفير الثقة بالليرة، اما الودائع التي تضعها المصارف في الـinterbank العالمي فهو لدواعي السيولة.
وقال: لو ان البلد مستقر وهناك خطة اقتصادية تحفز النمو، لكانت اصبحت هناك بدائل لهذه الاموال المودعة في مصرف لبنان، اي كانت المصارف اخرجتها من المركزي وضختها في الاقتصاد، لكن للاسف لا نمو ولا خطط تحفيزية، والنمو المطلوب يجب الا يقل عن 5 في المئة.