يضمّ وفد صندوق النقد المتجوّل بين المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاعات الإنتاجية والوكالات الدولية، فريقاً متخصّصاً بالسياسات الضريبية. قد لا يكون مستبعداً، لا بل مرجحاً، أن يحاول صندوق النقد طرح رفع الضرائب والرسوم بهدف تعزيز العائدات الحكومية كخطوة لا بدّ منها من أجل إصلاح المالية العامة، المعبر الأساس للإنقاذ الإقتصادي. للوهلة الأولى يبدو الطرح بديهياً ومنطقياً في ظل تدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية، وانعكاسه على واردات الدولة، وبالتالي على عجز الخزينة. ولكنّ الأمور تبدو من منظار مختلف تماماً لمن تابع وواكب أداء الحكومات المتعاقبة منذ عقدين. فهي خلصت إلى نتيجة شبه معاكسة تلخّص بالآتي: إن أيّ رفع للرسوم أو للضرائب إذا ما سبقته (نقول سبقته وليس واكبته أو تبعته) إصلاحات هيكلية تطول المالية العامة، سوف يؤدي إلى نتائج مضادة لتلك المنشودة، ليس فقط على مستوى الإقتصاد، إنما أيضاً على المستويين الأمني والسياسي.
وما يضفي على طرح رفع الضرائب غير المشروط بإصلاحات شيئاً من الخطورة، هو أنه سوف يلاقي ترحيباً واسعاً من قبل السلطات، لا بل سوف تصفّق له، هي التي عجزت عن أيّ إصلاح يذكر، ولم تقوَ سوى على رفع الضرائب والرسوم عند كل استحقاق. صحيح أنّ صندوق النقد لم يطرح رفع الضرائب يوماً بمعزل عن سائر الإصلاحات؛ ولكن صحيح أيضاً أن أياً من هذه الإصلاحات لم يرَ النور. كلّها إصطدمت بجدار نظام المحاصصة، وبرفض عرّابيه «التوافق» عليها. في الواقع لم يلتقِ هؤلاء إلا على رفع الرسوم والضرائب، والإستمرار بسياسات الدعم، أي عملياً التقوا على تحميل المواطنين والمودعين أعباء عجزهم وفسادهم.
تبقى الحجة القائلة: إنّ القيمة الفعلية اليوم للضرائب والرسوم تدنّت بشكل كبير نتيجة إنهيار العملة الوطنية، وبالتالي الفاتورة الضريبية أصبحت أكثر من زهيدة. هذا صحيح، للوهلة الأولى أيضاً. ولكن ماذا عن الضريبة غير المباشرة التي ترهق كاهل اللبنانيين والتي تدفع من جيوبهم على مدار الساعة؟ والمقصود هنا كل الأعباء المترتبة عن عجز الدولة عن القيام بأي من مهامها وعن استشراء الفساد في كافة قطاعاتها. هل أخذ في الإعتبار مثلاً أن كلفة الكهرباء هي أضعاف ما هي عليه في بلدان أخرى (50 سنتاً للكيلوواط في لبنان بينما هو 30 سنتاً في أوروبا وأقل من 1 سنت في دول الخليج)؟ ماذا عن كلفة النقل والمحروقات، والتي تمتصّ مداخيل المواطنين بمن فيهم هؤلاء الذين شهدوا تصحيحاً في أجورهم؟ ماذا عن كلفة الأمن المفقود والذي يَدفع ما تبقى من شركات عاملة إلى تخصيص مبالغ تُدفع لشركات خاصة للحفاظ على أمنها؟ ماذا عن كلفة التهرّب والتهريب والمنافسة غير الشرعية التي تضغط على أرباح ما تبقى من إنتاج وفرص عمل…؟ اللائحة تطول، والخلاصة واحدة: كلفة عجز الدولة وفسادها هائلة، لا بدّ من البدء بتخفيضها قبل التفكير برفع إضافيّ للضرائب.