Site icon IMLebanon

«التيار» لا يُحبُّ الزعَل مع الحريري!

طموح الرئيس سعد الحريري هذه الأيام هو العيش في السراي بلا مشكلات. وأساساً هو لا يحبّ المشكلات وجاء إلى الحكومة بالحدّ الأدنى من الشروط، واعداً وموعوداً بالحدّ الأدنى من المتاعب. وربما ما زال يعتقد أنّ الحملات التي يشنّها عليه «حزب الله» هي للضغط فقط، ولن تنال منه ومن الحكومة. لذلك، وقف على خاطر الرئيس تمام سلام وطمأنه، وغادر إلى موسكووبعد ذلك، «اللي بيجي من الله يا ما احلاه»!

 

في الأيام الآتية، سيضرب لبنان إعصار سياسي، أبرز مفاتيحه اثنان:

1- تحديد المسؤوليات في ملف الشهداء العسكريين. وهذا الملف قد يتطوّر ليشمل مستويات سياسية، «على الطلب».
2-
مزيدٌ من الضغط للتطبيع مع النظام السوري.

وهذان المفتاحان يمتلكهما «حزب الله» القادر على التصعيد وحشر الخصوم ودفعهم إلى خياراته. والأزمة السياسية ستهزّ الحكومة، في موازاة اهتزازات يتسبّب بها ملفان آخران: بواخر الكهرباء والسلسلة وضرائبها.

ولا يستبعد البعض أن تطيح الأزمة بالحكومة وصفقة 2016. ويسأل: أليس وارداً أن يجد «حزب الله»، في لحظة معيّنة، حاجةً إلى استقالة الحكومة لضرورات سياسية، وتحويلها حكومة تصريف أعمال؟ أو حتى استبدالها بأخرى أكثرَ مطواعية للانفتاح على دمشق وتشرف على انتخابات أيار 2018؟

لكنّ المطّلعين أكثر على توجّهات «الحزب» يميلون إلى فرضيّة أنه ما زال مرتاحاً في الصفقة الحالية. فوجود الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة مكسبٌ له، لأنه يمنحه غطاءً سياسياً يحتاج إليه بقوة، خصوصاً لمواجهة العقوبات والحملات الخارجية وتشريع التطبيع مع الأسد.

وليس هناك أفضل من الحريري للحصول على تغطية سنّية واسعة لهذا التطبيع، مع ما يمثله الحريري عربياً. إذ لا يمكن أن يوافق على التقارب مع دمشق من دون حدّ أدنى من الرضى السعودي.

وعادةً، يفضّل «حزب الله» الذهاب بالبلد إلى خياراته من خلال حكومةٍ يشرك فيها خصومه، بحيث يحصل على مباركتهم وتغطيتهم عربياً ودولياً فيؤمّن لنفسه الحماية والمشروعية. وهو لا يلجأ إلى خيارات العزلكما في الفترة التي جرى فيها إبعاد الحريريإلّا اضطرارياً لإمرار خطوات حادّة كان سيرفض هؤلاء الخصوم السَير بها.

يتواضع «الحزب» دائماً في حصته الحكومية، ويمنح الخصوم ما يُغريهم للانضمام إلى التركيبة، ولكن تحت جناحه. فما المشكلة عندما تكون الحكومة كلها حكومته؟

وهو، في أيّ حال، لا ينزلق إلى الصفقات والمكاسب التي يتهافت عليها آخرون وتدفعهم إلى الإستقتال للحصول على وزارات «دسمة». فالمهم بالنسبة إليه هو مفاصل القرار وليس المنافع الشخصية. ومن نقاط قوة «الحزب» أن لا شبهات في أداء وزرائه، كما هي حال عدد من الوزراء.

تحت هذه المعادلة، يحاول حلفاء «الحزب» أن يرتّبوا أمورهم. فـ«التيار الوطني الحر» أخذ حصّته من صفقة 2016 مضاعفة: وصل إلى رئاسة الجمهورية واحتفظ بمواقع دسمة في الحكومة ويعتقد أنه سيحقق نتائج مهمة في الانتخابات المقبلة، مع تحفّظه عن بعض بنود القانون.

وإذا كان البعض يقول إنّ لـ«حزب الله» الفضل في إيصال عون إلى الرئاسة، فهناك مَن يقول إنّ «التيار» له الفضل أيضاً في «جلب» قوى 14 آذار إلى تركيبة يسيطر عليها «الحزب»، إذ باتت هذه القوى جالسة في مركب يقوده هو. ومن النماذج أخيراً سيناريو حرب الجرود والتطبيع مع دمشق.

توحي مواقف «القوات اللبنانية» أنها قد ترفض استمرارَ هذا المسار عند سقف معيّن. لكنّ الحريري يوحي بأنه سيكون «صبوراً» إلى حدود غير معروفة. فهو الذي يشكّل القطبَ الثاني في المعادلة مقابل «حزب الله»، بما يمثّله من توازن سنّيشيعي في الداخل، وتوازن بين المحورَين السعودي والإيراني.

وقد أرسى «التيار الوطني الحرّ» مع الحريري تحالفاً لا علاقة له بالاستراتيجيات السياسية الكبرى، بل يقتصر على الأبعاد اللبنانية. ويقوم على نقاط محدَّدة:

سياسة عدم الاعتداء بين الرئاستين الأولى والثالثة، مهما حصل.

تقاسم المكاسب بالرضى في داخل مجلس الوزراء: الحريري يقف مع «التيار» في الكهرباء، ويقف «التيار» معه في «الاتصالات» وسائر التعيينات. ويتمّ إبدال «الإبراء المستحيل» بـ«الإبراء مهما حصل».

لا يغازل «التيار» أيّ قوة سياسية سنّية على حساب الحريري.

يلتزم الرئيس ميشال عون سياسة توازن إقليمية، فينفتح على المملكة العربية السعودية.

طبعاً، هذه البنود لا تُلزم «حزب الله»، وهو يوافق على أن يلتزمها حليفُه «التيار» ضمن حدود عدم التضارب مع مصالحه. ولذلك، يحرص «التيار» اليوم على عدم «تزعيل» الحريري بأيّ شكل من الأشكال، منعاً لاهتزاز التركيبة. وهو لا يفضل التشنّج في السجالات المفتوحة بين حليفه «الحزب» وحليفه الحريري.

ولا يريد «التيار» «تخويف» الحريري من تداعيات التحقيق في ملف العسكريين، ويحاول عدم المبالغة في إظهار حماسته للتطبيع مع الأسد. فالمطلوب إبقاء الحريري راضياً، لأن هناك عملاً مشتركاً كثيراً ينتظر الطرفين في داخل الحكومة ولا تجوز إضاعته!

هل سيتمكّن «التيار» من الحفاظ على هذا الانفتاح تجاه الحريري؟

الأمر يتعلّق بمدى ارتفاع درجات الحرارة بين الحريري و«حزب الله». فـ«التيار» لا يستطيع أن يضع رِجْلاً هنا وأخرى هناك من دون أن ينفسخ، إذا تباعد الطرفان كثيراً!

وحتى اليوم، يمارس «الحزب» مع الحريري سياسة الصياد. فهو يشدّ الصنّارة تارةً ويرخيها تارةً أخرى حتى تقترب السمكة وتصل إلى الأحضان. و«التيار» يوحي للحريري أنه مع الرخي، ولكنه لا يشارك في الشدّ ويمكن أن يواصل هذه السياسة، لكنه سيضطر إلى وقفها إذا ما اعتمد «حزب الله» خيارات حاسمة لا مجال فيها للمناورات.