IMLebanon

“التقدّمي” يُقدِّم الهمّ الإجتماعي على “السياسي”

 

يعيش الوضع اللبناني روتيناً قاتلاً لم تُحرّكه أي من الزيارات الخارجية لكبار المسؤولين العرب والأوروبيين والأميركيين إلى بيروت، ما يدل على أنّ النفق المظلم لا يزال طويلاً ويحتاج الوطن إلى معجزة للخروج منه.

 

هذا في الإطار العام، أما إذا غصنا أكثر في التفاصيل فنكتشف أن القوى السياسية تُجري حساباتها على أساس أن المرحلة صعبة والخروج من المأزق لن يتمّ في المدى المنظور، لذلك تنصرف إلى تحصين بيئتها الداخلية من أجل الصمود وعدم الوقوع في حفرة التصدّع والإنهيار.

 

إذاً، باتت المعركة معركة أي بيئة تصرخ من الوجع أولاً، علماً أن كل الشعب اللبناني يعاني لأن الفقر لا يفرّق بين مذهب أو آخر أو بين المناطق والإنتماءات السياسية.

 

وفي السياق، فإن رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط كان من أكثر السياسيين الذين يعرفون ماذا سيحلّ بلبنان منذ مدّة وحجم الأزمة الكبير، لذلك نصح جماعته بالإستعداد للأسوأ، وذهب بعيداً وكأنه يرى مجاعة الحرب العالمية الأولى تتكرّر، ولم يكتف بدعوة أهل الجبل إلى التموّن، بل وصل إلى حدّ دعوتهم الصيف الماضي إلى تخزين علف الحيوانات الذي ينتجه سهل البقاع وعكّار لأنه يعلم جيداً أن البلد متجه نحو الإقتصاد المنتج، وتربية المواشي تساعد أهل الجبل وكل اللبنانيين على الصمود ريثما تكون العاصفة قد عبرت.

 

من هنا، يُفهم تركيز جنبلاط ونواب “اللقاء الديموقراطي” على الهمّ المعيشي أكثر من السياسي، لأنه بحسب ما هو ظاهر عند زعيم المختارة، الأزمة السياسية ستطول وهي متشعبة ومترابطة وتحتاج إلى حلّ إقليمي ولا حكومة قريباً، وهذا الحلّ ينتظر أيضاً إنتهاء المفاوضات الأميركية – الإيرانية وإجراء تسوية شاملة لملفات المنطقة وعلى رأسها الحرب الدائرة في سوريا.

 

ولا يزال نواب “اللقاء الديموقراطي” يُشدّدون بشكل كبير على وقف الدعم العشوائي الذي يستنزف أموال المودعين ويُستعمل للتهريب وإنقاذ النظام السوري، بينما الشعب اللبناني يعاني من الجوع، لذلك فإن مجلس النواب كان الساحة الأساسية لعرض مسألة وقف الدعم الذي يُدمّر الإقتصاد الوطني، وتفعيل الدعم الموجّه الذي يستهدف الأُسر المحتاجة، بحيث تذهب الأموال إلى مستحقيها.

 

واللافت أيضاً هو تقديم رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط إقتراح قانون لتحقيق العدالة الإجتماعية، يطرح أموراً إصلاحية كثيرة تطال الطبقة الغنية بحيث تُفرض ضرائب على الثروات وأصحاب العقارات الكبرى غير المستثمرة وعلى أملاك الطوائف التي لا تخضع لضريبة.

 

وبحسب “اللقاء الديموقراطي”، فإن هذا الإقتراح قد يواجه صعوبة في إقراره لأنه يمسّ ببعض مكتسبات الطوائف، كما أن أصحاب الثروات سيتحرّكون وهم يملكون “لوبي” كبيراً حتى في مجلس النواب، لكن نواب “اللقاء” يفعلون كل ما بوسعهم من أجل ردم الهوة الكبرى بين طبقات المجتمع اللبناني، وهم يعملون وفق قاعدة: “على الغني أن يساعد الفقير في هذه الأزمة لأن النظام اللبناني ساهم في أن يزداد الغني غنى والفقير فقراً”.

 

وأمام رؤية وليد جنبلاط ونواب “اللقاء الديموقراطي” للكارثة وهي تقترب ولا يمكن التصدّي لها إلا بالتكافل الإجتماعي وبين جميع الناس، فإن الأولوية تُعطى في الجبل لتمرير المرحلة بأقل خسائر ممكنة والتخفيف من وطأة الأزمة، إلا أنّ هذا الأمر يحتاج إلى خطّة كبرى للدولة ولا يستطيع أي حزب أو قوة سياسية القيام بها، خصوصاً وأن الجوع يستهدف كل لبناني أينما وُجد وليس أهل الجبل أو مناطق نفوذ جنبلاط لوحده.