IMLebanon

تيمور بين غريزة “البقاء” والإستعصاء على التطويع

 

 

يُقبل تيمور جنبلاط على مرحلة انتقالية يمر بها لبنان بين قديمه المعروف ومستقبله المجهول، تماماً كالمرحلة الانتقالية التي تمر بها قيادة حزبه وطائفته، في رحلة «البقاء» (SURVIVING) التي قادها والده وليد جنبلاط في ظروف قاسية ودقيقة كالتي يمر بها البلد راهناً، بحنكة عالية.

 

مع أنّ كثراً يعتبرون الظروف الحالية أكثر تعقيداً مما مر به لبنان أواخر السبعينات حين أُلبس وليد جنبلاط عباءة الزعامة الجنبلاطية بعد اغتيال والده على يد المخابرات السورية، فإنّ هذا لا يلغي أن تحدي «البقاء» يفرض على مهمة تيمور صفة الاستمرارية في مواجهة التحدي نفسه، نهج ضمان «البقاء». ليس صدفة أن يقرن الرئيس السابق لـ»الحزب التقدمي الاشتراكي» حديثه عن «الانتصار» بعبارة «نكون أو لا نكون… وبقيت المختارة والحزب…» ليكررها أكثر من مرة في خطابه أمس.

 

مثلما واجه جنبلاط الأب هذا التحدي قبل 46 سنة، قد يكون على تيمور إضافة عوامل أخرى أقلها أنّ هناك من قادة لبنان ومن قادة بعض الدول، من يخشى على بقاء البلد برمته وليس على بقاء المختارة و»الحزب الاشتراكي» والطائفة الدرزية فقط. وقد يكون على تيمور التأقلم مع المتغيّرات التي طرأت على البلد بفعل المأزق الاقتصادي المالي غير المسبوق في التاريخ اللبناني، أمام نقمة شعبية على الطبقة السياسية، وتبلور الرفض الشبابي الذي تجلى في انتفاضة 17 تشرين ضدها.

 

في لقاءاته الأسبوعية في المختارة تسنى له أن يلتقط الحس الشعبي لأنّ الاحتكاك المباشر وجهاً لوجه مع هموم الناس وفقدانهم للأساسي من حاجاتهم الإنسانية ليس مثل السماع بها بالنسبة إلى أبناء الزعماء والطبقات الميسورة، حتى لو كانوا يتعاطفون مع ما يعانيه العامة في ظروف البلد الحالية المرشحة لمزيد من التدهور.

 

أمّا الرفض الشبابي للطبقة السياسية الذي يميّزه، فيعود، فضلاً عن أنّه من هذا الجيل الناقم على التقليد البالي والمتخلّف، فإنّه في تلك اللقاءات اكتشف مدى عمق الهوة بين جيله وبين رعيل امتهن صفقات تطيح بمبادئ عليا. يضاف إلى ذلك أنّه ليس لدى تيمور ترف أن تحمله السياسة اللبنانية التقليدية على أن يغفل عن اختلاف الجيل الجديد عن الرعيل السابق أو يكون في غربة عنه. مبدئية شقيقه أصلان الذي يبدو وفق عارفيه الأكثر تمسكاً بالمبادئ، وملاحقة شقيقته داليا لما يجري من حول الزعامة الجنبلاطية من منظار الجيل الذي تنتمي إليه، كفيلان بتذكيره.

 

ولعل اكتسابه هذا الحس الشعبي، وانشداده إلى رفضية الجيل الجديد، اللذين تمظهراً داخل حزبه في محطات عدة، وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، هما من الأسباب التي سمحت بإشاعات الخلاف بين تيمور وبين والده خلال السنوات القليلة الماضية. فهو في بعض المحطات بدا «متمرداً» بطريقته الصامتة أو الإيحائية، على التسويات التي تفرضها واقعية وليد جنبلاط والتي سمّاها الأخير في خطابه أمس «لقاءات الضرورة «. وبقدر ما جلب عليه ذلك استعجال البعض في الحكم السلبي على أداء الوريث، فإنّه كان في العمق سبباً لتشكل شخصيته المستقلة عن والده. وفي قوانين صراع الأجيال، حتى وليد جنبلاط نفسه، على خبرته وبراغماتيته احتاج لبعض الوقت قبل أن يسلم باستقلالية شخصية تيمور، وصولاً إلى مناداته «حضرة الرئيس».

 

الشاب الأربعيني الهادئ، القليل الكلام لتهيّبه الدور الذي يفترض أن يلعبه في هذه الظروف الصعبة، والذي ينهل من ثقافة عصرية، تضاف إلى اكتسابه بالفطرة بعض محطات التاريخ القريب والبعيد، سواء من سيد المختارة أو من حجارتها وممن يترددون عليها، يقبل على مهمة أكثر صعوبة. فالمتغيّرات الإقليمية والدولية التي يتخبّط لبنان فيها، والغموض الذي يكتنف الصراعات والتسويات الإقليمية ومآلها في البلد، تتطلب مزيداً من التوفيق بين غريزة «البقاء» الجنبلاطية والحزبية، وبين تزعم طائفة تشكل إحدى الركائز الأساسية للاستعصاء اللبناني على التطويع والاستتباع، اللذين يسعيان إلى التحكّم بمصير البلد اليوم. تزعّم العائلة لهذا الاستعصاء، هو الذي كلّف كمال جنبلاط حياته، ودفع وليد جنبلاط إلى خوض معارك كبرى تارة وتسويات «الأمر الواقع» تارة أخرى.

 

محطات معالم الاستعصاء على التطويع عند تلك الأقلية الصغيرة، وبالتالي عند زعامتها، عديدة ولا تقف عند حدود لبنان. إلباس جنبلاط الأب عام 2017 لتيمور الكوفية الفلسطينية في رمزية عميقة تعني بين ما تعنيه أن لهذه الأقلية على حجمها الصغير، هوية عربية في فلسطين وفي سوريا في زمن امتداد النفوذ الإيراني. وليس تفصيلاً أن يعقد الأب مع الإبن، قبل أيام من انتقال رئاسة «الاشتراكي»، اجتماعات مع فاعليات درزية من أراضي 1948 في فلسطين المحتلة، في قبرص، في سياق دعم صمود هذه الفاعليات في وجه مشاريع التهويد.