IMLebanon

تيمور “الرئيس” إلى موسكو: الطابع “الإستراتيجي” أقوى من الرئاسي

 

حدث الإنتقال في الوراثة والزعامة الجنبلاطية بسلاسة. وصار النائب تيمور جنبلاط الرئيس الثالث في مسيرة الحزب التقدّمي الإشتراكي، التي لا تكتمل من دون المحافظة على العلاقات الخارجية التي بناها البيت الجنبلاطي طوال المرحلة السابقة، إذ لا يكفي الرهان على التفاف الشارع الدرزي حول العباءة الجنبلاطية.

هناك مثَل شائع وهو «الولد سرّ أبيه»، لكن في السياسة لكل مسؤول وجهة نظره ورؤيته للمسائل. ومن كان يقول إن تيمور جنبلاط لا يستطيع إتخاذ القرار وطيف والده وليد جنبلاط ما زال هو المسيطر، ثبت له العكس حيث كان موقف تيمور حازماً في رفض تسوية فرض رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية.

لا يستطيع أحد إنكار التمايز بين جنبلاط الأب والابن، لكن هذا التمايز لا يطال الخطوط العريضة للسياسة الجنبلاطية، فالثوابت هي نفسها، من المحافظة على الوجود الدرزي، إلى صون مصالحة الجبل التي تمّت بين جنبلاط الأب والبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، والمحافظة على هوية لبنان وديموقراطيته وصولاً إلى نسج أفضل العلاقات مع المحيط العربي.

وسقط رهان من كان يتوقّع سيْر الحزب التقدّمي في تسوية انتخاب فرنجية من دون ضوء أخضر عربي، وبالتالي لا يزال في الخندق المعارض وسيصوّت لمرشح تقاطع المعارضة مع «التيار الوطني الحرّ» الوزير السابق جهاد أزعور، رغم تأكيده أهمية الحوار الداخلي وعدم التمترس وراء المواقف المعلنة. وإذا كانت العلاقات مع المحيط العربي تاريخية بالنسبة إلى البيت الجنبلاطي، فإنّ العلاقات مع روسيا تدخل في صلب النظرة الإستراتيجية. ففور انتخابه رئيساً للحزب إتصل نائب وزير الخارجيّة الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف بتيمور جنبلاط ودعاه إلى زيارة موسكو.

ليست المرّة الأولى التي يتلقّى فيها تيمور دعوة إلى موسكو، وقد زارها مرات عدّة منذ انتخابه نائباً عام 2018 ومتّن العلاقات، وهنا يبرز ذكاء السياسة الجنبلاطية، فجنبلاط محسوب على المحور الأميركي، وهو يزور موسكو خصم واشنطن رئيساً للحزب الإشتراكي ونجح في نسج أفضل العلاقات مع إدارة الرئيس فلاديمير بوتين التي أتت على أنقاض «الشيوعية» و»الإشتراكية» ونبذتهما وتحمل عناوين مناقضة لهما.

وتُشير المعلومات إلى أنّ الزيارة لموسكو قريبة، لكن لم يُحدّد موعدها النهائي بعد، وذلك بسبب الانشغالات الروسية بالحرب في أوكرانيا، ويجري العمل على إنجاحها بتحديد مواعيد قد تشمل إضافة إلى بوغدانوف ومسؤولين روس وزير الخارجية سيرغي لافروف. ويريد الإشتراكي نجاح الزيارة لأنّها أول مرّة تتمّ بعد ترؤّس تيمور الحزب. وسيتمّ التركيز على تطوير العلاقات بين الإشتراكي وموسكو، والبحث في الملف الرئاسي والأزمة اللبنانية.

وصار واضحاً امتناع موسكو عن التدخّل في الملف الرئاسي اللبناني، وكل ما يُروّج له عن نيّتها الضغط على بعض القوى السياسية لانتخاب فرنجية الذي هو صديق الرئيس السوري بشّار الأسد، وبالتالي صديق موسكو، لا أساس له من الصحّة، فروسيا دولة عظمى وتعرف جيداً التركيبة اللبنانية وتعلم أنّ كلمة الفصل الأخيرة في لبنان تعود إلى واشنطن وليس إلى أي دولة أخرى، ولا تريد أن يحلّ بها ما حلّ بالفرنسيين.

وتعتبر موسكو أنّ المبادرة الفرنسية دخلت مرحلة المراوحة والفشل الذريع، وحتى زيارات المبعوث الخاص جان إيف لودريان لن توصل إلى نتيجة، والفرنسي غير قادر على اجتراح الحلول في لبنان.

ويعمل تيمور جنبلاط على تمتين العلاقات مع موسكو والدول الصديقة، لكن في الوقت نفسه يعمل على المحافظة على الوجود الدرزي وتدعيمه، ولا يزال عدد لا بأس به من طلاب الحزب يحظى بمنح تعليمية ويسافر إلى روسيا، وهذا ما يرغب في استمراره وتطويره.

تدخل وضعية استقرار الجبل وأمنه السياسي والاجتماعي والغذائي والصحي والتربوي في صلب السياسة الجنبلاطية، ويستطيع جنبلاط البحث في السياسات الكبيرة في العالم ووضع المنطقة ولبنان مع المسؤولين الروس، لكنّ عينه دائماً على جبل لبنان، لذلك فالطابع «الإستراتيجي» هو الغالب على الزيارة أكثر من الرئاسة وزواريبها التي تحاذر موسكو الدخول فيها.