IMLebanon

تيمور جنبلاط: لست مغرماً بالسياسة التقليدية ولا “بالضحك على الذقون”

 

 

كثيرة هي الأسباب التي تدفع تيمور جنبلاط إلى الانكفاء والابتعاد عن المنابر والكاميرات… ولعلّ أبرزها، ميله إلى قول الأمور كما هي على حقيقتها «البشعة»، وواقعيته المفرطة إلى حدّ التشاؤم أو رفض كل هو قائم. تطبع الثقافة الغربية شخصية وريث البيت الجنبلاطي، فتغلب على طابع الزعامة المتوارثة. لا يؤمن بالأدوات التقليدية التي فيها الكثير من التمثيل إلى حدّ «الضحك على الذقون»، ولو أنّ الناس لا يزالون متعلّقين بالبيوتات السياسية ورمزيتها في وجدانها، وبالزعامات والأشخاص. أما هو فميّال، لا بل مقتنع أنّ العمل المؤسساتي والقوة الردعية للقوانين، وحدهما الضمانة للمستقبل ولأبناء منطقته.

 

يفضّل تيمور جنبلاط عدم البوح كثيراً بمكنوناته، لأنّ أفكاره قد لا تلتقي مع المدرسة التقليدية في السياسة. ليس غريباً أن لا يبدي الشاب الذي صار له من العمر في الشأن العام، حوالى ثماني سنوات، حماسته لخوض غمار الشأن العام وفق القاموس المتوارث والمعمّم. له طريقته الخاصة في الإدارة، التي لا يتردد في القول إنّ تكريسها أشبه بحفر الجبل بالإبرة وقد تحتاج إلى سنوات قبل أن تتبلور.

 

الوفاء لأفكار كمال جنبلاط «الثورية» هو الذي يجعله يقاوم الصراع الذي في داخله، بين ما يرغب في القيام به، وما عليه القيام به، وتحديداً بين رؤيته «المؤسساتية» لبناء الدولة، كثقافة مجتمعية أولاً، وبين ما هو متعارف عليه بين الأحزاب والزعامات التقليدية، من أفكار وطرق وأساليب، ينبذها، لشدّ العصب… وفي كثير منها، مسرحيات لا تطعم خبزاً ولا تؤمّن فرص عمل أو آليات قانونية تُعفي المواطنين من الحاجة إلى أي زعامة أو حزب!

 

فعلاً، هو مؤمن أنّ المشهد النموذجي هو قيام مؤسسات تكفل العلاقة بين المواطنين والدولة من دون المرور بأي معبر سياسي. لكن من الصعب إقناع الناس أنّ هذا النمط قد يكون على حساب الزعامات والبيوتات السياسية. وهذه ثقافة لا تزال غريبة على البعض. بهذا المعنى يفضّل أن يحاكي الناس بلغة احتياجاتهم المعيشية، وما أكثرها في هذه الأيام! كأن يفكر في معالجة أزمة النفايات أو الكهرباء، وأن يعمل على بناء معمل لتوليد الطاقة الشمسية يساعد أبناء المنطقة على مواجهة العتمة الشاملة… ولو أنّه لا ينكر أنّه لم يتخلَّ نهائياً عن الخطاب السياسي، مجبراً بذلك لا مخيّراً.

 

هكذا، سيحطّ تيمور اليوم في منطقة الإقليم ليلتقي عدداً من الفاعليات. جولة انتخابية بامتياز، هي عادة ليست من أدبياته، لكنّ المرحلة تقتضي القيام بهذا الواجب. سيزور المرشح سعد الدين الخطيب كما النائب محمد الحجار الذي اعتكف عن الترشح. يراهن الاشتراكيون على أن تكون مشاركة الخطيب، ابن البيئة الحريرية حافزاً لتشجيع السنّة على التوجه إلى صناديق الاقتراع. وهو أمر في حال تحقق سيساعد القائمة الجنبلاطية – القواتية ويدعمها.

 

ولكن هذه المقاربة لا تمنعه من الإشارة إلى أنّ الزعامة الجنبلاطية تمرّ بمرحلة دقيقة. وفق الحسابات الانتخابية، ثمة مجهود يبذل من جانب الاشتراكيين لحماية «اللقاء الديموقراطي» لكنها طبعاً مهمة صعبة جداً. خسر «اللقاء» نائبه الكاثوليكي، أي نعمة طعمة، والأرجح أنّ غسان عطالله هو الذي سيرث المقعد. ومع ذلك، المسألة ليست هنا، لأنّ الشرعية الدرزية هي التي على المحك.

 

وفق الاشتراكيين، فإنّ خصومه يعملون على نزع هذه الشرعية من يد المختارة من خلال مقاسمة النواب الدروز. من هنا يعمل «حزب الله» على رفع رصيد وئام وهاب من الأصوات التفضيلية من خلال إقناع حلفائه، وتحديداً «التيار الوطني الحر» لصبّ رزمة أصوات تفضيلية عند وهاب لكي يتجاوز مروان حمادة الذي سيمدّه الحزب التقدمي بأصوات إضافية لحماية موقعه. كذلك، فإنّ موقع فيصل الصايغ في بيروت الثانية ليس مضموناً، فيما يبدو أنّ خيار «القوات» بدعم لائحة غير لائحة وائل أبو فاعور المتحالف مع محمد قرعاوي، قد يصعّب المعركة على النائب الاشتراكي الذي صار له حضور لافت في منطقته.

 

في جعبة الاشتراكيين الكثير من الأدلة والبراهين التي تثبت أنّ قنص المقاعد الدرزية ليس بريئاً من جانب الخصوم، ولهذا فإنّ المعركة تحمل طابع الخصوصية بالنسبة لهم. ومع ذلك، فإنّ خطاب حماية المختارة لا يجذب تيمور جنبلاط، بالمعنى الحرفيّ للكلمة، كحماية للبيت، ولا يحبّذ استخدامه لأنّ الناس في مكان آخر واهتماماتهم لا تتعدى «الأكل والشرب»، ولأنّ ما يهمه هو دور هذه الدار، وعلاقتها بالناس الذين يرون فيها زعامة تاريخية، وذلك من خلال قيام مؤسسات تصون مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. وهو الإرث الذي يسعى لتوريثه إلى نجله فؤاد وإلى كل أبناء جيل فؤاد.

 

يستعد تيمور لدورة ثانية من رئاسة «اللقاء الديموقراطي» الذي يرغب أن يكون كل عديده، يوماً ما، من الوجوه الشابة ولو أنّه يقرّ أنّ بلال عبد الله وهادي أبو الحسن وفيصل الصايغ أدّوا دوراً تشريعياً بارزاً جعل منهم «نواطير المجلس»، كما يصفهم الاشتراكيون، ما سهّل إعادة تسميتهم من جديد.