على مسافة أسابيع قليلة من دخول البلاد مدار الاستحقاق الرئاسي، وتحديد أولى مواعيد الجلسات الانتخابية، المرجّح حصولها مطلع أيلول المقبل، لا تزال الصورة ضبابية، معلّقة على حبل التطورات الاقليمية والدولية المتسارعة، ولو أنّ الحرب المندلعة في أوكرانيا، وضعته على الرفّ، بتأكيد السفيرة الفرنسية آن غريو التي رأت أنّ «لبنان لم يعد من الأولويات دولياً»… ولعل هذا المعطى هو ما يزيد من حالة الإرباك اللبناني في كيفية التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي وسط خشية من أن تكون هذه الجولة من الشغور في حال حصولها، قاتلة، بكل ما للكلمة من معنى.
والأرجح أنّ هذه الضبابية هي التي تؤخّر ساعة الرئاسة، وتتركها أسيرة سكون يلفّ مواقف معظم القوى السياسية، التي اذا ما قررت مقاربة الاستحقاق، فإنّها حتى الساعة، تقاربه بكثير من الخفر، والحذر، والكلام العمومي.
«اللقاء الديموقراطي» لا يشذّ عن هذه القاعدة، ولو أنّ موقفه قد يطبّش الكفّة اذا ما قرر استعادة مشهد التصويت لنبيه بري رئيساً لمجلس النواب، وانضمّ إلى جبهة ترئيس سليمان فرنجية. لا يتردد رئيس اللقاء النائب تيمور جنبلاط في الإشارة إلى أنّ التكتل لم يناقش بعد الاستحقاق الرئاسي، ولذا يفضّل عدم خوض لعبة الأسماء والترجيحات وحسابات الأكثرية والاقلية. لكنه في المقابل، يحرص على الإشارة إلى أنّ المعيار الأهم في هذا الاستحقاق، والذي يتخطى معيار الاسم والانتماء السياسي، حيث سيكون من الصعوبة لا من الاستحالة، اختيار ماروني مستقل بالمطلق، ألا وهو أن يكون مؤسساتياً يعمل على انتشال البلاد من الانهيار الحاصل من خلال خطة انقاذية عملية تساعد على استعادة الثقة الدولية.
سبق لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» أن رشّح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وذلك حين قرر رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري أن يكسر الجمود الذي فرضه اصطفافا 8 و14 آذار. ثم عاد وأعلن قبيل الانتخابات انه لن يصوت لا لباسيل ولا لفرنجية. لكن فعلياً في هذه الجولة لا تزال ورقة جنبلاط الرئاسية مستورة. لعلّ ذلك، يعود إلى طابع التطورات الحاصلة من خلف الحدود، والتي تجعل من لبنان، واحداً من أوراق التفاوض.
لا ينكر تيمور جنبلاط وجود حركة إقليمية خجولة قد تسرّع وتيرة الاستحقاق الرئاسي خلال الأسابيع المقبلة. المصريون يسعون إلى دور فاعل في هذا السياق، ولا يخفى واقع أنّ قائد الجيش جوزف عون، هو المرشّح المفضّل لديهم. والأرجح أنّ مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ، المنتظر عقده في شهر تشرين الثاني المقبل في شرم الشيخ، قد يكون فرصة لتفعيل الحوار الدولي، لا سيما الأميركي- الأوروبي، بمجهود مصري، للتوصل إلى تفاهم في ما خصّ الملف اللبناني. لكنّ المسألة لا تزال مجرّد تكهنات، أو محاولات قد لا تنجح.
أمّا قبل ذلك، فلا يبدو أنّ الظروف الدولية مساعدة لحسم الاستحقاق الرئاسي، فيما القوى اللبنانية عاجزة عن تجاوز خلافاتها وانقساماتها، لإتمام الانتخابات في موعدها من دون أي تأخير.
وهنا، لا يتردد تيمور جنبلاط في الشكوى من حال المعارضة، التي تعاني الكثير من الانقسامات والاختلافات و»الشعبويات». يكشف أنّ نواب «اللقاء الديمقراطي» باشروا فور انتهاء الانتخابات النيابية، حملة اتصالات مع مختلف الكتل النيابية المعارضة، بدءاً بـ»القوات»، «الكتائب»، المستقلين وصولاً إلى النواب الجدد «التغييريين»، وذلك بهدف تكوين إطار جامع، أو مشترك، يساعد على خوض الاستحقاقات الداهمة والملفات الأساسية الحيوية وفي طليعتها المالية والاقتصادية. إلّا أنّ المحاولة لم تثمر حتى الساعة أي نتيجة مشجعة يمكن البناء عليها. ويستعيد جنبلاط مشهدية التصويت لترشيح غسان سكاف لنيابة رئاسة مجلس النواب، ليسأل: اذا كانت معركة سكاف لم تسلم من التباينات، فكيف يمكن إقناع كلّ النواب المعارضين بالتوصّل إلى اتفاق حول مرشح مشترك يمكن خوض معركته بجديّة بعيداً عن المزايدات؟
لهذا، لا ينفي جنبلاط واقع أنّ مشروع اتفاق النواب المعارضين على مرشح واحد، دونه عقبات كثيرة، ومع ذلك يشير إلى أنّ الأهم هو الذهاب باتجاه انتخاب رئيس مؤمن بالعمل المؤسساتي، علّه يتمكن من إعادة احياء المؤسسات بعدما تدمّرت كلياً.
ويقرّ النائب الاشتراكي أنّ تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة لا تخلو من «الشعبوية» خصوصاً وأنّ الرأي العام محبط جرّاء أداء حكومة تصريف الأعمال، فكان لا بدّ من تكليف شخصية جديدة خصوصاً وأنّ السفير سلام شخصية محترمة، مؤسساتية، مؤكداً أنّ «اللقاء الديمقراطي» لن يتمثّل في أي حكومة ستكون على شاكلة حكومة تصريف الأعمال، بمعنى أن تكون شاهدة زور ولا تكون حكومة إنقاذية، كاشفاً أنّ «اللقاء» أبلغ ميقاتي خلال الاستشارات غير الملزمة أنّه سيكون خارج الحكومة، مؤكداً أنّ تسمية وليد عساف في المسودة التي رفعت إلى رئيس الجمهورية، لم تتم بناء لتواصل مع «اللقاء».
وفي سياق مختلف، يشير إلى أنّ اللقاء الذي جمع رئيس الحزب وليد جنبلاط بالنائب غسان عطالله، لا يتعدى إطار تهدئة الأجواء في الجبل بعد توترات الانتخابات النيابية والتأكيد أن الخلاف السياسي يجب ألا ينعكس بأي شكل من الأشكال توتراً اجتماعياً أو شعبياً، وهو ما يصب في مصلحة الجبل وترسيخ الاستقرار.