Site icon IMLebanon

135 يوماً على أحداث الطيونة… والملفّ فارغ

 

ردّ وردّ على الردّ وسيناريو البيطار يتكرّر مع صوّان

 

لكلِّ منطقة في «لبناننا» ناسها، ولكل فئة إنتماؤها، ولكل انتماء طائفة، ولكل طائفة شوارع. في هذا الإطار، يعرف «الذكي» كما «الغبيّ» أن عين الرمانة «عرين مسيحي» والطيونة «معبر» تمدّد إليه «الشيعي» وسيطر. بعد 135 يوماً على أحداث الطيونة-عين الرمانة، يستمرّ الملف «لا معلّقاً ولا مطلّقاً»، بين ردّ وردّ على الردّ، فهل ذلك لزوم المرحلة؟ وهل ما يجري في ملف أحداث الطيونة هو «نسخة طبق الأصل» عن مسار ملف تفجيرات المرفأ؟ وهل مسموح «غض النظر» عن ارتكابات مؤلمة، مقصودة، تُبقي الجروح نازفة؟

 

لا يكذبون حين يقولون إن البلد قائم على فبركات. إنه بالفعل كذلك. والمواطنون دائماً ضحايا. فمن ماتوا هناك، على قارعة الطريق، حتى وهم يحملون السلاح ويطلقون النيران، ضحايا. ومن حُطمت سياراتهم وتضرّرت محالهم وبيوتهم وزُرع الخوف في نفوس أطفالهم وتمّ الإستقواء عليهم، أيضاً ضحايا. فهل نقول: على ملف أحداث الطيونة السلام ونقلب الصفحة وننسى الياس وجورج ونسيم ونبيل القابعين في سجن الريحانية حتى اللحظة، تحت حجج غير مفهومة وغير معلومة وبملف فارغ؟ هل نحذف من الذاكرة مشهد ذاك القتيل الذي قُتل وهو يقتل؟ هل نقلب الصفحة على 32 شابّاً ملاحقين حتى اللحظة بلا أسباب موجبة أم نعود لنجدّد السؤال: لماذا حدث ما حدث؟ الأزمات المحيطة بنا كثيرة، حتى أننا نكاد لا نلتقط أنفاسنا بين ملف وملف، ووجع وآخر، ولكن، يبقى هناك ملفات فاضحة تثير ألف سؤال وسؤال، ملف أحداث الطيونة واحد منها.

 

قدر عين الرمانة

 

شاءت الظروف أن تكون عين الرمانة دائماً في المقدمة، تتصدّى، منذ أوائل الحرب، منذ دخلت رصاصة في نرجيلة والدي وهو جالس على شرفة منزله في مبنى قريب من مستديرة الطيونة، على الخط الفاصل بين منطقتي عين الرمانة والشياح. حدث ذلك في نيسان عام 1975 بالتزامن مع حادثة البوسطة. وفي كل مرة تتكرّر الرواية نفسها مع سكان تلك المنطقة، تعوم الذكريات الموجعة وتتجدّد الإرادة: لا لاستضعاف أولاد عين الرمانة.

 

نجول في عين الرمانة. المحال التي أقفلت نهائياً تكاد تزيد على عدد ما صمد منها. الأزمات المتفاقمة في لبنان أثرت على المسيحي والشيعي وعلى السني والدرزي، وعلى الملحد والعلماني. اللبنانيون ليسوا بخير وهذا ليس بسرٍّ. فلماذا تصرّ فئة على استجلاب مزيد من الأسى تحت حجة «فائض القوة»؟

 

14 تشرين الأول، أصبح تاريخاً آخر غير مجيد. وهناك من يصرّ على تدوير زواياه كما يشاء. في كل حال، تمّ اعتقال 16 شاباً من أولاد عين الرمانة إثر ما حدث، أطلق منهم 12 وبقي أربعة رهن الإعتقال كان يفترض إطلاق سراحهم، واحداً تلو واحد، إلى أن انطلق السيناريو نفسه المعتمد في ملف مرفأ بيروت «الرد والرد على الردّ». يعني ثمة أربعة ما زالوا موقوفين ليس لأنهم مذنبون وليس لأن حظهم سيّئ بل لأن هناك من يصرّ على اللعب بالملف، كما بالواقعة، كما يشاء. هذا ما يقوله متابعون للملف ويزيدون: «أوقف هؤلاء بجرم إطلاق الرصاص والقتل. قتل من؟ ما هو السلاح الذي تمّ استخدامه؟ ما هو نوع الرصاص؟ ألم تكن إصابات القتلى من الوراء وعن قرب؟ الإدانة بحاجة إلى أدلة. فهل هناك بعد 135 يوماً أدلة على أن «القوات اللبنانية» هي من دبّرت ذلك؟

 

الملف، لجهة الإدعاءات والتوقيفات، فارغ. فليس هناك حتى صورة واحدة تؤكد أن من أوقفوا، من جهة عين الرمانة، هم من أطلقوا الرصاص في الإتجاه المعاكس. في المقابل هناك عشرات الفيديوات التي تثبت وجود السلاح بين أيدي «الضحايا» أنفسهم والجماعة التي ينتمون إليها. وهناك من ماتوا بحسب من يتابعون الملف بإصابة مثبتة من الخلف. فهل ماتوا عن طريق الخطأ؟ السؤال طُرح ولا جواب أقله معلن. في كلّ حال، يتردد اسم القاضي فادي صوان مراراً على ألسنة من يتحدثون عن ملف أحداث الطيونة. فهو المولج التحقيق به. وهو يتعرض، إلى ما يتعرض له زميله قاضي التحقيق طارق البيطار، ما عطّل مسار ملف الطيونة كما ملف مرفأ بيروت. السيناريو نفسه. واللاعبون أنفسهم.

 

حشو أسماء

 

32 شابّاً تمّ الإدعاء عليهم. وها قد مرّت 135 يوماً والملف معلّق. فما هي تهمتهم؟ حمل السلاح؟ إطلاق النار؟ القتل؟ الشروع بالقتل؟ الإسهام بالقتل؟ يعرف المراقبون أن هناك تهماً تكون جاهزة. نقلب بين الأسماء فنرى أساتذة ومحامين ومديري بنوك لا «زعراناً» بين المدّعى عليهم. ونرى أسماء وكأنها وضعت في الملف عن قصد. بيار جبور، قائد وحدات الصدم سابقاً، وضع اسمه بين الأسماء. فلعلّ الوصول إليه «يفش غليلهم» من «القوات». هو، بحسب معارفه، كان في جبيل والشهود كثر. بيار معوض، رئيس مركز «القوات اللبنانية» في الشياح، ذُكر اسمه أيضاً في التحقيق (وهو كان مدير مصرف وعضو مجلس بلدي ولم يدخل في حياته مخفراً) فتمّ الإدّعاء عليه. واللائحة تطول. هؤلاء ينتظرون تقدّم التحقيق في الملف لكن يبدو أن انتظارهم سيطول. فهل جرى اختيار القواتيين عن قصد أم أنهم ساهموا، بشكل أو بآخر، في ما تمخّض عنه يوم الرابع عشر من تشرين؟

 

الثابت، أنه لو كانت عين الرمانة بالفعل مستعدّة للتصدي ولو صحّ أنها أوقعت من هاجموها بكمين لكان عدد الضحايا بالمئات. هذا أمر محسوم بين الأهالي. ولكان القتلى سقطوا في أحياء عين الرمانة التي تعرضت إلى الغزو يومها لا على مستديرة الطيونة. لكن، على ما يبدو، يحصل في الملف ما حصل مع ذاك «الذي ضرب وبكى وسبق واشتكى». نجول في عين الرمانة. الشوارع التي تتفرّع من منطقتي الطيونة والشياح كثيرة. وعند بدايات كل شارع دبابة وعناصر للجيش اللبناني. العدد زاد عمّا قبل. ويروى هناك أنه في تلك الليلة التي سبقت أحداث 14 تشرين جال مسؤول المنطقة الياس نخلة، وهو موقوف اليوم، مع ضابط في الجيش اللبناني وأخبره عن الزواريب التي يخشى الأهالي دخول أصحاب النوايا السيئة، الذين يهددون بالثبور وعظائم الأمور، منها. في تلك الليلة كانت الرسائل الصوتية التي تُهدد «من يجرؤ ويتحدى مشيئة حزب الله» كثيرة. يومها وصلت تأكيدات أمنية أن الأمن سيبقى مستتباً. لكن، «صار اللي صار». والشباب الذين نزلوا في تظاهرة، كان يفترض أن تكون «حضارية»، هجموا جحافل على عين الرمانة هاتفين «شيعة شيعة» و»سمير جعجع صهيوني». الشباب في عين الرمانة يستغربون أن يكونوا «مكسر عصا»، يتعرضون للهجوم ثم يُعتقلون «فبأي قانون يحدث ذلك»؟

 

أحد هؤلاء الشباب يقول: «لو أردنا نصب كمين لطحناهم ولكانت حصلت حرب شوارع. يتدخل آخر مذكّراً بذاك الشاب اليافع الذي أكل صفعة من أحد مرتدي الثياب السوداء في وسط بيروت. يومها غزا «الثنائي الشيعي» خيم الثوار وكسروا وحرقوا وعادوا أدراجهم كما لو لم يحصل شيء. هم يريدون تكرار تلك الواقعة لكنهم، في عين الرمانة، فشلوا وعادوا أدراجهم فاقدي الصواب. وانطلق الرصاص. من أين؟ من أي جهة؟ الملف فارغ. و»حزب الله» يستخدم لغته نفسها في الملف كما في ملف تفجيرات مرفأ بيروت. غريبٌ حقاً هذا الأمر.

 

كان هناك قرار، منذ البداية، بتوريط «القوات». أما «القوات» فأخذت عهداً بمساندة أهالي عين الرمانة، وكثير كثير منهم من القواتيين، وبالتالي من هرع إلى طرقات عين الرمانة، بعد الغزو الذي تعرضت له، هم أهلها أولاً. هؤلاء سارعوا لحماية ممتلكات أهلهم. طبيب حمل عصا وركض. محام هرع ممسكاً باسم الحق والعدالة والقانون. محاسب أمسك ببندقية الصيد وركض «فمن يرى من يهجم عليه حاملاً سكيناً وهراوات ومسدسات ولا يدافع عن نفسه يكون مشروع ميّت». بيار معوض، الصادرة بحقه مذكرة توقيف، يتذكر ما حصل يومها: «كنا في المركز. وكانت التعليمات للشباب واضحة: فلنكن وراء الدولة دائماً. واعين بدا الشباب. وفوجئنا بزج اسمنا في الموضوع. والأنكى، أنهم يريدون إبقاء الملف مجمّداً وورقة يساومون عليها لغرض في نفس يعقوب. ويتذكر: ما رأيته يومها هتافات كثيرة وشباب يركضون وكلام عن دخول غزاة بالعصي والسكاكين إلى سيدة لورد. حينها نزل شباب عين الرمانة على الأرض وردّوهم وانتهى الأمر هنا. وبعدها صرنا نسمع أصوات قذائف من بعيد. من كان يطلقها؟ كيف أطلقت؟ لماذا أطلقت؟ لا تسألونا نحن. فليخبرونا هم ماذا في الملف من إدانات. نحن، أكثر من يريد أن يعرف ماذا حدث يومها ولماذا زجّت أسماؤنا؟

 

أهالي المعتقلين في الريحانية نادوا مراراً بالعدالة أما اليوم فيراهنون على «إستفاقة أخلاقية» تُبدل المشهد وتساعد على تسريع إطلاق رجالهم الذين زجّوا في السجون. هؤلاء يبدون وكأنهم ملّوا من الكلام والسرد والتوضيح والمطالبة. لكن، على ما يبدو، هناك من يصرّ على المضيّ بتركيب ملف بحقّ الشباب وتابعوا الموضوع بالإدعاء على سمير جعجع بإعطاء الأوامر، ووضعوا اسم أحد القياديين على أنه خطّط للكمين! غريب أمر من ركبوا الملف الذين يعرفون أن ضحايا الكمين لا يموتون من «الخلف». صحيح أن هناك سبعة موقوفين من الجهة الأخرى، من «الثنائي الشيعي»، الذي لعب عناصره لعباً بالسلاح، لكن، بحسب متابعين، معظم هؤلاء عليهم دعاوى في ملفات أخرى أيضاً، يعني لن يتأثروا بإعاقة ملف أحداث الطيونة فهم «قاعدين قاعدين» في السجن. لكن، الغريب ألّا يتوقف إلا سبعة في وقتٍ شاهد الناس العشرات يرمون السلاح المتوسط.

 

آن أوان جلاء كل الحقيقة في الملف. أهالي عين الرمانة ردّوا على الغزاة: طريقكم ليست من هنا. أما الغزاة فيراهنون على شيء آخر، لكن من يعرف منهم عين الرمانة، قلعة الصمود، يعرف أن رهانه سيكون خاسراً أبداً.