اعتبر وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، أن الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان تؤكد أنه بحاجة إلى «تغيير حقيقي»، مشدداً على ضرورة «التحرك الآن»، وهكذا يبدو أن إطلاق النار في الشوارع أصبح صياغة قولية قادرة على تبليغ الرسائل للحكومة والجيش من قبل ميليشيات متعددة الطوائف، الأمر الذي جعل الجيش يعلن أنه سوف يقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يوجد على الطرقات وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار من أي مكان آخر، كما طلب من المدنيين إخلاء الشوارع. وما يحدث يترجم لغة السياسة الجديدة لإدراك الواقع في لبنان بين الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية.
وعلينا أن نتذكر هنا أنه يوجد فرق مهم بين الأحداث التي لا يمكن استنتاجها، وتلك التي يمكن استنتاجها، ولكنها لا تستنتج، لأنها بعيدة عن الواقعية الشديدة الموضوعية، حيث يجد الإنسان نفسه غارقاً في آثار تلك الأحداث المضطربة، لذلك نعتبرها حالة في حد ذاتها لا تعبر عن معطى له مقومات معقولة أو تكتب عنه بموضوعية وحيادية، لأنها حالة صراع دمرت دولة وشعباً، والنتيجة الحاصلة هي أن ميليشيا «حزب الله» وحركة أمل تهاجم كيانات القضاء في البلاد، وأطلقت الرصاص أمام قصر العدل، وهذا يندرج تحت مفهوم الفوضى والفراغ والمراوغة وإخفاء النوايا، وهي نسخة جديدة للعصيان وترهيب المواطنين والعنف ضد القضاء في البلاد.
هكذا، هو التفكير الضعيف الذي يستقي من ذاته وحدها ويجعله عرضة للانشطار الذي يتمثل في التساؤل والإجابة، ومع هذا، فإن تقدير الموقف في لبنان لا يعدو كونه مصيبة فقط، وإنما هو في الحقيقة حرب شوارع بمختلف الأسلحة واستهداف للمباني السكنية في وضح النهار وتبادل القصف بين الجيش وعصابات «حزب الله».. علاوة على ذلك فهناك طريقة سيئة في الإنصات لصوت العقل وتصميم واضح للتضحية بالوطن الذي جمع كل الطوائف، فكل شيء تعثر في لبنان برعاية الميليشيات الإيرانية، وأعادت الأحداث تسليط الضوء على جماعة «حزب الله» في وسائل الإعلام وعلى دورها الذي تخوضه، وأمام هذا العنف المستفحل والمنتشر توجه أصابع الاتهام إلى «حزب الله» بتورطه في تفجير مرفأ بيروت بالأسلحة المخزنة فيه، والأساليب المثيرة والمفزعة التي وقعت هي اجترار الخوف من الحقيقة، حيث أكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية، في مقابلة مع CNN، أن «حزب الله» يحاول تدمير السلطة القضائية في لبنان، ويحاول إزالة القاضي الذي عُين للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، معرباً عن قلقه من وقوع كل المؤسسات اللبنانية تحت قبضة الحزب.
وما يمكن أن يُقال اليوم هو أن لبنان دولة انهارت عملياً وأصبحت بحاجة لتدخل دولي تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى لا تنجرف نحو حرب أهلية، يدفع ثمنها الشعب، فقد جعلوا من هذا البلد الجميل مدفعاً وبارجة مشحونة بالتوترات، يسير بعضهم خلف أباطرة ينتظرون الفرصة لاعتلاء المنصة، ويستولي كبيرهم على السلطة ليمكن إيران أكثر وأكثر من أرض لبنان الجريح، فأولئك كائنات غامضة تحمل حقداً دفيناً لوطنهم وولاءً مفضوحاً لطهران.
لقد اتخذت الحروب العديد من التسميات والأهداف لإغراق السلام والأمان في قاع مظلم، ومنها على سبيل المثال الحرب على الإرهاب وصناعة أعداء وهميين، وهذا ما يعاني منه العالم اليوم، ومنها حرب ضد الحريات وحرب مدمرة للحصول على السيطرة المطلقة، ولكن دعونا نبحث عن نهاية لكل هذه الحروب وأهدافها ونأخذ بما «يميل له علماء الفيزياء إلى الأخذ بالمبدأ القائل: «هذه هي الأحوال الآن، فما الذي يحدث بعد ذلك؟»، بعد الظلم الكبير المدمر الذي مزق وحدة لبنان الدولة بكافة مؤسساته، ووالذي لن يستعيد أمنه واستقراره إلا إذا تحرر من التدخلات الخارجية ومن الميليشيات المدعومة من إيران كـ«حزب الله» وبقية الحركات، فلبنان وجد نفسه في مأزق كبير، فهو على أبواب حرب أهلية يشترك فيها الشعب ضد عدو داخلي، وهذا يعتبر فخاً مليئاً بالحقد والخداع يغذي الفوضى والصراعات، تحيط بها ميليشيات لن تنسى ذكرياتها ولن تفرط في سلالاتها التاريخية والثقافية.