IMLebanon

بلد الأزمات المُستدامة

 

 

قبل نحو ثمانية عقود، عشية إعلان الاستقلال، صدر كلامٌ عن عميد حزب الكتلة الوطنة الرئيس الراحل المرحوم إميل إده أثار، في حينه وفي ما بعد، وحتى اليوم، ردود فعلٍ مُتباينة، ذهب بعضها إلى حد تخوينه، وبعضها الآخر إلى حد الإطراء عليه واعتباره رؤيوياً مهماً. وبالفعل، لا يزال ذلك الكلام صالحاً للمرحلة الراهنة، بل إنه ازداد صدقية في هذه المرحلة لدرجة أنه يُجرى تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

 

فلقد أعرب الرئيس إميل إده عن اعتقاده بضرورة تأجيل الاستقلال نحو عقدَين من الزمن لأن لبنان، الوطن والشعب، غير مُهيأ بعد لهكذا خطوة مصيرية، على أهمّيتها. وكان في تقديره أنه يجب إعطاء المنتدِب الفرنسي فرصةً ليُهيء الأجواء الملائمة للاستقلال الذي ليس مجرّد عبارات وأقوال واحتفالات، إنما هو دولةٌ ذات مقوّمات. وأخطر ما قاله إده في هذا السياق، إنه يخشى أن يصل عدم الاستعداد الفعلي للاستقلال إلى حد الاضطرابات والاقتتال الدموي كل عقدَين من الزمن على الأكثر. وختم كلامه قائلاً: «أقول كلامي هذا وليتني أكون على خطأ».

 

وبالفعل، لم يُخطئ ذلك اللبناني الصميم والسياسي الكبير. فلم يمُر على الاستقلال أكثر من بضع عشرة سنة حتى اندلعت أحداث 1958 الدموية. وبعدها بنحو 17 سنة، اندلعت حرب السنتَين التي استمرّت 15 سنة ولمّا تزل تداعياتها حتى اليوم.

 

وما بين الحدثَين الكبيرَين تطوّراتٌ رهيبة راوحت بين «اتفاق القاهرة» و»فتح لاند» وما تخللهما وتبعهما من سقوط مبدأ الاستقلال ومقوّمات الدولة واغتيالات عديدة شملت رؤساء وقياديين وزعماء كباراً ورجال دينٍ ودُنيا وثقافة وسياسة وإعلام، حتى لا يَصح فينا القول إننا عايشنا استقلالاً وهمياً ليس له وجود سوى على الورق وفي الخطابات. لأنه يهتز، كما تهتز الصيغة اللبنانية، في كل حدثٍ. وما جرى أخيراً في التحويطة – عين الرمانة شاهدٌ آخر على ذلك.

 

هل العلّة في الناس أو في القيادات أو في هذا النظام الذي لا يُعرف له رأسٌ من عقب، ولا قيادةٌ من ذيل، والذي لم يُسفر إلا عن الأزمات الكُبرى التي تتناسل أزمات؟

 

أياً كان الجواب، فالحقيقة الصارخة أن وطناً لا يقوم على الأزمات وأن نظاماً لا يجد حلولاً لا يجوز أن يستمر، وإلا فسترتفع الأصوات المُنادية بالإنطواء على الذات، كي لا نقول أكثر.