الأحزاب تسعى لشدّ العصب الانتخابي خشية فقدان مقاعدها النيابية.. فهل تجري الانتخابات؟
أظهر مشهد الإشتباكات الأمنية في الطيّونة الخميس، وقبلها أحداث خلدة، وربما غداً في مكان آخر، أمرين خطرين: أوّلهما، أنّ السلاح متوافر وبكثرة لدى جميع الأطراف، من أحزاب ومجموعات وطابور خامس مقيم على الأراضي اللبنانية وجاهز لإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد على أساس ديني لا بل طائفي. وثانيهما، أنّ التقسيم موجود في النفوس، قبل أن يحصل جغرافياً على الأرض، وأن لا بديل عنه لا بناء الدولة ولا العيش المشترك. وتقول مصادر سياسية مطّلعة إنّ الأخطر من هذين الأمرّين، هو محاولة أحداث الطيّونة شدّ العصب الإنتخابي، فما حصل هدف الى التأثير في الناخبين ودفعهم الى انتخاب كلّ من هم من بوتقتهم وطائفتهم وحزبهم.
وترى المصادر أنّ الأحزاب السياسية التي باتت تخشى اليوم من تغيّر المزاج الشعبي بفعل ما حصل بأموال المودعين المحجوزة في المصارف، وعدم قدرتها بالتالي على استعادتها لهم، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، تحاول أن تقوم بأي شيء لاستعادة ثقة شريحة ناخبة من هذا الشعب للحفاظ على مقاعدها النيابية. فيما تداعيات الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة التي أدّت الى تحليق أسعار المحروقات، والغاز والسلع الغذائية، والدواء والأقساط المدرسية والجامعية والإستشفاء وما الى ذلك، انعكست سلباً على حياة المواطنين اليومية، ما جعل هؤلاء يُفكّرون هذه المرّة بالانتقام من الطبقة السياسية التي تركت الوضع الإقتصادي يتردّى ويصل الى ما هو عليه اليوم من سوء وانهيار.
فالشعب الذي استيقظ من وعود الأحزاب التي يناصرها ويؤيّد مواقفها السياسية، على ما أضافت المصادر نفسها، سيما أنّ هذه الأخيرة لم تتمكّن من انتشاله من التجويع والتفقير والبطالة رغم كلّ ما يمرّ به منذ أكثر من سنتين، فكلّ هذه الأمور التي فُرضت عليه كونه لا يزال يعيش في لبنان، إمّا لأنّه قرّر ذلك، أو لأنّ إمكاناته المادية لا تسمح له بمغادرة بلده، يريد بغالبيته محاسبة هذه الطبقة السياسية. ولهذا فإنّ هذا الشعب ينتظر الإستحقاق النيابي بصبر نافد لكي يُعاقبها من خلال صناديق الإقتراع، وهذا الأمر هو أكثر ما تخشاه الأحزاب التي تقوم ماكيناتها السياسية بالإحصاءات وباحتساب عدد الأصوات الذي سيصبّ لمصلحتها في الصناديق،غير أنّها تُعلن عكس النتائج التي تحصل عليها، وتدّعي أنّها لا تزال قويّة شعبياً، وأنّ مناصريها لم يقلّ عددهم بل على العكس ازداد كونهم باتوا متأكّدين من أنّ الحزب أو الزعيم الذي يتبعونه هو المحقّ، فيما الأحزاب الأخرى مخطئة، في مواقفها السياسية طبعاً.
ومن هنا، فإنّ أي اشتباكات أمنية تحصل في بعض المناطق اللبنانية، وتوقظ لدى الشعب لغة التخاطب نفسها التي سادت خلال الحرب التي أريد لها أن تكون «أهلية»، على ما لفتت المصادر، ومن شأنها إعادة شدّ العصب الإنتخابي لمصلحة الأحزاب، سيما أنّ المواجهات تؤدّي الى هدر الدماء والى تغذية خطّة تقسيم لبنان على أساس طائفي وحزبي، غير أنّ مثل هذه المواجهات، في حال تكرارها، بحسب رأي المصادر، قد تؤدي بالبلد الى أكثر من فتنة محلية ومؤقّتة، الى حرب «أهلية» جديدة، يجد الشعب اللبناني برمّته أنّه بغنى عنها اليوم.
وترى المصادر أنّه إذا كانت أهداف المواجهات في الشارع، بين حزبين أو أكثر، أو بين أحزاب وطابور خامس يستفيد من الخلافات السياسية، هو ربح الإنتخابات النيابية المقبلة، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه، هل من المؤكّد انّ الإنتخابات ستحصل في مواعيدها الدستورية؟! فالولايات المتحدة الأميركية لم تعد متحمّسة لها، رغم إصرار فرنسا والإتحاد الأوروبي على ضرورة إجرائها في موعدها بهدف إحداث التغيير المطلوب من خلال انتخاب وجوه جديدة مستقلّة تمثّل الشعب اللبناني.
وتجد المصادر أنّه في حال حصلت الإنتخابات المرتقبة في مواعيدها، فعلى الشعب اللبناني، ألا يقع في الفخّ السياسي، بل أن يعي أنّه لا يُمكنه إعادة الوجوه النيابية نفسها، على دمّ الضحايا الأبرياء الذين يسقطون في كلّ مرّة، خلال المواجهات في الشارع من دون أي ذنب لهم. وبناء عليه، لا يجب أن يبدّل المواطن رأيه، في اختيار المرشّحين المستقلّين، لكي يُجرّب على الأقلّ، وجوهاً جديدة لا علاقة لها لا بعمليات الفساد، ولا بهدر الأموال، ولا بخسارته لأموالهم في المصارف، ولا بانفجار مرفأ بيروت وسوى ذلك.
وذكرت المصادر نفسها، أنّه من غير المسموح بقاء القنّاصين موجودين في مختلف المناطق اللبنانية، والسلاح المتفلّت والذخائر وقذائف الـ «أر.بي. جي» موجودة بكميّات كبيرة بين أيديهم، ويقومون عندما يريدون بالقنص المنظّم على الأبرياء، فعلى الدولة الكشف عمّن يقف وراء هؤلاء، سيما أنّ الجيش تمكّن من إلقاء القبض على أحدهم، كما على أكثر من 15 مشبوهاً متورّطاً في اشتباكات الطيّونة التي أودت بحياة 7 ضحايا (بعد وفاة أحد الجرحى متأثّراً بجروحه أمس) و32 جريحاً. فالقنّاصون عملوا على قتل لبنانيين أبرياء خلال هذه الأحداث، ليس لهم أي علاقة لا بالتظاهرة التي جرت الدعوة اليها أمام قصر العدل، ولا بأي أمر آخر، وعلى التحقيقات التوصّل الى كشف ملابسات ما جرى لتلافي تكرار مثل هذه المواجهات في الشارع.
وفي ما يتعلّق بإمكانية اشتعال الفتنة مجدّداً في أي منطقة أخرى في حال لم يتمّ قطع دابرها من قبل الدولة، لم تستبعد المصادر حصول مثل هذا الأمر، فكلّ شيء متوقّع في هذا البلد، محذّرة من إمكانية امتداد الفتنة الى حرب شوارع مستمرّة، ما لم تقمّ الأجهزة الأمنية بمعاقبة كلّ المتورّطين في أحداث الطيّونة، لا سيما منهم الذين قتلوا الناس الأبرياء عمداً.