IMLebanon

“التيار” يخرج من باب الحكومة… ليدخل من “شبّاكها”

 

النظام اللبناني مشوّه، هجين، معطوب، متكسّر، مسخ… ولكن أن تصل به الأحوال إلى انتاج “بدعة” قلّ نظيرها في العالم، فتلك من علامات “آخرته”: الحزب الحاكم في المعارضة، أو بالأحرى تيار رئيس الجمهورية على كراسي حقّ النقض!

 

بهذا المنحى قد نكون على مقربة مشهدية سياسية فريدة من نوعها: في عهد مؤسس “التيار الوطني الحر” سيكون الحزب خارج السلطة، لا بل مصوّباً على ذراعها التنفيذية. إنه الانفصام بحدّ ذاته.

 

هذا ما يحاول العونيون الإيحاء به، أنهم باتوا على مسافة أمتار قليلة من قرار انقلابي يقضي بـ”الطلاق” من جنّة الحكومة بعدما تقطّعت بهم الدروب والطرقات ليكونوا شركاء في السلطة وفق معايير تقنعهم. صحيح أنّ ما ينادي به رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري هو حكومة اختصاصيين، ولكن أن ينتقل “التيار العوني” إلى مقاعد “الضرب” بالحكومة، فتلك مسألة أخرى.

 

يشعر العونيون أنّهم مستهدفون، يدفعون أثمان ارتكابات “غير مسؤولين عنها”. يواجهون بركان الانتفاضة باللحم الحيّ. فالحراك الذي قام بوجه الفساد ورموزه والتدهور المالي الذي هو نتاج سياسات اقتصادية ونقدية عمرها ثلاثة عقود وأكثر، تحوّل إلى موجة كارهة لجبران باسيل دون غيره. أسقط “الثوار” كل الطبقة السياسية عن لوائحهم السوداء، وحصروا كل تعويذات لعنتهم بـ”رئيس التيار الوطني الحر”.

 

وها هو التمسّك بالحريري ليعيد تأليف حكومة ما بعد 17 تشرين، لا سيما من جانب الثنائي الشيعي، يكاد يعفيه من “ضريبة” الشارع ونيرانه، في المقابل يحصرها بباسيل بفعل “الشرط الوجودي” الذي يفرضه رئيس “تيار المستقبل” لمواجهة العاصفة المالية التي تهب في أصعب لحظة من تاريخ لبنان الاقتصادي.

 

بات مسلّماً به أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال لا يستخدم الفيتو الخارجي بوجه باسيل إلا لأنّه قرر نسف قواعد التسوية الرئاسية واعادة رسمها من جديد. هي فرصته الأخيرة لتعويض ما لحق به من “تآكل شعبي” جرّاء سلوك باسيل تجاهه، وهو يدرك أنّه فيما لو عاد إلى “قواعد المنشأ” فستكون صناديق الانتخابات النيابية أشبه بمحرقة تأكل أخضر حضوره ويابسه. ولذا قرر اللعب على طريقة الصولد إما يحسّن شروطه وإما يعيد كرة النار الى خصومه.

 

لا تشي قاعدة المزاوجة المتناقضة بين السلطة والمعارضة، إلّا بأنّ “التيار الوطني الحر” مأزوم. وفي توصيف أدق، رئيسه هو المأزوم. أما الأسباب فكثيرة ومتعددة.

 

الأرجح أنّها تبدأ من التمايز في المقاربات بين حليفي وثيقة مار مخايل، سواء لناحية خيار الحريري لرئاسة الحكومة، أو لناحية طبيعة الحكومة. الأمر الذي حال دون تدخل “حزب الله” لمصلحة باسيل في معركته المفتوحة مع الحريري، مع بلوغهما التصفيات النهائية، لجهة من يبقى في الحكومة ومن يغادرها.

 

بات جلياً، أنّ حسابات الحليفين مختلفة. العهد يدفع الثمن من كيسه وجيبه وهو مهجوس بعامل الوقت الذي يفقده ترف النوم الهانئ في ضوء الحاجة الملحة لتحقيق انجازات سريعة، بينما “حزب الله” غير معني أبداً بعامل الزمن الأمر الذي يسمح له بوضع يده بيد الحريري، والانتظار على ضفّة المفاوضات الحاصلة في الإقليم.

 

كما أنّ الثنائي الشيعي مقتنع أنّ الدفع باتجاه خيار الحريري هو أقل الأضرار الممكنة، لأنّ عودته إلى الحكومة ستسحب الكثير من الشرائح المنتفضة المسيّسة والمحزّبة من الشارع. منها تحديداً الجمهور الذي يدور في فلك “المستقبل”، “القوات” و”الاشتراكي”. وهذه تكاد تكون “نصف” مهمّة تهدئة الشارع.

 

بنظر العونيين، امساك “حزب الله” العصا من وسطها، في الموازنة بين تمسكه بالحريري وبين انكفائه عن فرض باسيل، هو نقطة تصب لمصلحة الأول. الأمر الذي يدفع رئيس “التيار الوطني الحر” إلى التفكير بمقاربة جديدة تفضي إلى خلط الأوراق.

 

وفق بعض المعنيين، الاعتبارات التي تملي على باسيل القيام بخطوة انقلابية، كثيرة: منها مثلاً محاولته الضغط على حليفه من خلال تفريغ الحكومة من عمودها المسيحي- العوني، في محاولة لتحسين شروطه وموقعه على خريطة المفاوضات الحكومية بعدما أثبت “الموديل الحريري” في رفض “أي شيء لنفسه” نجاحه في تكريس ترشيحه كخيار وحيد، أو التمهيد لخروجه ربطاً بشروط الحريري ولكن وفق مخرج لائق يخرج معه كل حامل بطاقة برتقالية على قاعدة “كلن يعني كلن”. ومنها قد يكون متصلاً بعقوبات أميركية تمّ التلويح بها في أكثر من مناسبة، ولذا هو قرر الابتعاد عن الواجهة تجنّباً للبطاقة الحمراء الأميركية.

 

ومع ذلك، يقول بعض المعنيين إنّ هذا القرار ليس بالانقلاب لأنّ الحكومة المرتقبة هي أصلاً حكومة بغالبية وجوهها من الاختصاصيين من غير الحزبيين، وبالتالي القاعدة ستسري على “التيار الوطني الحر” كما غيره.

 

وبناءً عليه قد توكل مهمة التغطية السياسية المسيحية في الحكومة إلى رئيس الجمهورية، ما يعني أنّ “التيار” قد يخرج من الباب ليدخل من نافذة الرئاسة الأولى للمشاركة في القرار التنفيذي عبر وزراء اختصاصيين.