تتنقل الحملة التي يفتعل رموز “التيار الوطني الحر” والفريق الرئاسي حججها في مواجهة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بين أفكار وذرائع متناقضة ومتباعدة لتبرير اتهامه بأنه وراء تأخير تأليف الحكومة، ولإبعاد التهمة عن الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل بأنهما يصران على الحصول على الثلث المعطل فيها.
من المؤكد أن هناك تناقضاً بين القول أن الحريري يسعى إلى الافتئات على صلاحيات الرئاسة في وقت اختار وزراء من لائحة عرضها عليه الرئيس عون، أو أنه يعتدي على حقوق المسيحيين بينما تصرف على أساس أن للرئاسة الحق في إبداء الرأي بجميع الوزراء المسيحيين وغير المسيحيين، وبين اتهامه بأنه لا يريد تشكيل الحكومة في انتظار ضوء أخضر أميركي خوفاً من العقوبات إذا ضم إلى تشكيلته من يسميهم “حزب الله”. وحين وضعت عظات البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الأمور في نصابها فرفض ربط ولادة الحكومة بالثلث المعطل وبحديث الصلاحيات، وأصر على حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، انتقل الترويج لحجج أخرى، كأن يقال بأن الرئيس المكلف ينتظر رحيل دونالد ترامب. وحين سقط ترامب في الانتخابات واحتاج “التيار” لتبرير تشدده الهادف لإخضاع الحريري والحكومة العتيدة لهيمنة الفريق الرئاسي، برزت الحجة القائلة إنه ينتظر تسلم جو بايدن الرئاسة. بعض هذه الحجج كان يجاري “التيار الحر” فيها خلال الأسابيع الماضية الإعلام الموالي لـ”حزب الله”، من أجل مسايرة الحليف المطلوب مراضاته في ظروف إقليمية حرجة يمر فيها نتيجة الضغوط الأميركية على طهران.
عندما قدم الحريري تشكيلته الحكومية لرئيس الجمهورية في 9 كانون الأول، قبل دخول بايدن البيت الأبيض سقطت تلك الحجة. ومع ذلك ظلت الببغائية ترددها.
وبينما كان عون يستقوي بتوقيعه من أجل رفض إصدار الحكومة، كان تياره يروج بأن الحريري يستقوي بالمبادرة الفرنسية، فيما كانت باريس تطالب عون بأن يتحمل المسؤولية مع الحريري ويسرعا في إنجاز الحكومة، وتوزع أسباب العرقلة بالتساوي بينهما على رغم معرفتها بأن شروط عون – باسيل هي العقدة. وفي مقلب آخر كان العونيون يطلبون من موسكو أن تقوم بمبادرة تلاقي موقف الرئيس عون، لأن الفرنسيين والأميركيين “غير موثوقين”.
عندما عرض الحريري بعض التفاصيل عن مداولاته مع رئيس الجمهورية في خطاب 14 شباط، تقصد العونيون القفز فوق تلك الوقائع وربطوا تأخر الحكومة باشتراط الحريري التخلي عن التدقيق الجنائي على رغم أن خطابه تضمن تأكيداً على إجرائه منذ العام 1989. وحين تنبهوا إلى عدم صلاحية تلك الحجة انتقلوا إلى غيرها مفادها أن الحريري يعلق ولادة الحكومة لأنه ينتظرالضوء الأخضر السعودي.
يستنفد “التيار” ومحيط عون الحجج المفتعلة إلى درجة اضطرار المستشار الرئاسي سليم جريصاتي لأن يصطنع سجالاً طائفياً حول وقف العد الديموغرافي، والتزام الحريرية السياسية المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وفقاً لاتفاق الطائف. يأس استدراج العونيين الآخرين إلى سجال طائفي، من أجل مكاسب يأملونها من شد العصب المسيحي، أخذ منظريهم إلى صراخ يرتد سلباً على صاحبه، نظراً إلى غياب التماسك في إلقاء اللائمة على الخصوم، في ما هم سببه.
تنقلات الحريري في الخارج، ومنها زيارته المنتظرة إلى الدوحة اليوم، تغيظ قيادة “التيار”، فتنتقد أسفاره في كل بيان يتناول تأليف الحكومة، بحجة أنه يضيع الوقت. والسبب أن الأبواب في معظمها مقفلة في وجهها، لا سيما بعد العقوبات على باسيل.