Site icon IMLebanon

«التيار حليف الكلّ»… إلى متى؟

يبذل «التيار الوطني الحرّ» جهوداً خارقة لئلّا يُصاب بتمزُّق في العضل، فيما هو يوسِّع دائرة خطواته الاستراتيجية بين المتباعدين. فهو يعتبر أنّ تحالفه مع «حزب الله» استراتيجي، وأنّ تحالفه مع «القوات اللبنانية» أيضاً استراتيجي، فيما يتذوّق نكهة التحالف المستجد مع الرئيس سعد الحريري… و«يزكزك» به «الحزب» و«القوات»… تكتيكياً أو استراتيجياً!

من المؤكد أنّ الضمان الذي يحفظ خطوط التواصل بين «التيار الوطني الحر» و«حلفائه»، على اختلافهم، هو الرئيس ميشال عون شخصياً. فلا أحد يريد، لا «حزب الله» ولا «القوات» ولا الرئيس نبيه بري ولا النائب وليد جنبلاط، أن يعلن الحرب عليه إلّا اضطراراً، ولا مصلحة لأحد في هذه الحرب حالياً.

في المقابل، «التيار» متروكة له الهوامش بقيادة الوزير جبران باسيل، مع الجميع وضد الجميع في آن معاً. وثمّة مَن يعتقد أنّ عون شخصياً هو الذي يرسم هوامش باسيل، وأنّ أحداً لا يستطيع أن يقطع خيطاً في «التيار» من دون إرادة «الجنرال». لكنّ عون يفضل المناورة: هو رأس الدولة وباسيل رأس «التيار». ويتقارب الرأسان أو يتباعدان وفقاً لمقتضيات المناورة.

وصحيح أنّ هناك نماذج أخرى للحزبيين على رأس مؤسسات الحكم، كبرّي الذي يتحرك على خط التوازن ما بين رئاسته حركة «أمل» ورئاسته المجلس النيابي، وكذلك الرئيس سعد الحريري، لكن حالة عون – باسيل تتخذ طابعاً أكثرَ حدّة، وهوامش المناورة فيها تبلغ حدود التناقض.

الواضح أنّ لدى عون أهدافاً يرمي إلى تحقيقها لا ترضي حليفه «حزب الله»، ومعه بري. وكذلك، لديه أهداف أخرى لا ترضي «القوات» يسعى إلى تحقيقها. وفي الحالين، لا يريد أن يكسر الجرّة مع أحد، لأن لا مصلحة له في فقدان التغطية، لا الشيعية بكاملها ولا المسيحية جزئياً. ولذلك، يطلق عون العنان لباسيل لكي يذهب إلى الحدّ الأقصى، وعند الحاجة يتدخّل لضبط إيقاع اللعبة.

أساساً، كانت المواجهة مع بري و»حزب الله» محسوبة منذ أن وصل عون إلى بعبدا تحت شرط واضح من «الحزب»: «نحن قمنا بواجبنا معك، ورددنا لك الجميل بوقوفك معنا منذ 2005، ولكن بعد اليوم، في ملف الحكومة والانتخابات النيابية، لا نقاش في أنّ بري سيكون المفاوض باسم «الحركة» و«الحزب» معاً».

كل المواقف التي بدت متقارِبة في ملف الانتخابات النيابية، بين عون و»الحزب»، تبيَّن أنها كانت مجرد تكتيك. وظهر أنّ المعركة الأكثر شراسة في قانون الانتخاب هي الدائرة بين الفريقين. فلا عون مع «النسبية الشيعية» ولا الشيعة مع «التأهيلي العوني». لكنّ الطرفين يفضّلان معالجة الأمور تحت سقف التحالف.

في المقلب الآخر، مع «القوات اللبنانية»، يرتدي «التيار» وجهه المسيحي الفاقع ويناقض خيارات الحليف الشيعي. وتلقّت معراب وعداً من «التيار» بأنه لن يتراجع عن الهدف المشترَك، أي تحصيل نصف عدد النواب المسيحيين في المجلس، أو ما يقارب ذلك، مهما بلغت الضغوط.

طبعاً، هذا الهدف المسيحي العريض مربوط بأهداف خاصة لكل من «التيار» و»القوات». فالطرفان يحرصان على تكبير الحجم في المجلس النيابي المقبل والسلطة. ومن هنا، ينمو النزاع على الأحجام بين الطرفين، وبينهما معاً وبين القوى المسيحية الأخرى، تحت السقف الكبير المسمّى «التمثيل المسيحي».

وطروحات باسيل الانتخابية لجهة تقسيم الدوائر ونظام الاقتراع تنطلق من أولويات عونية خاصة، تتناقض أحياناً ومصالح «القوات». وفي خلفية الطرفين تصويب على ما بعد عهد عون: هل الدكتور سمير جعجع هو الأقوى مسيحياً أو باسيل؟ وأجواء البترون توحي أنّ «القوات» أقرب إلى التحالف مع النائب بطرس حرب منها إلى التحالف مع باسيل!

والحملة المباشرة والمركّزة التي تشنّها «القوات اللبنانية» بإصرار على خطة وزير الطاقة سيزار أبي خليل للكهرباء، تحت عنوان الشفافية والتصدّي للفساد، تحمل في طياتها رسائل سياسية عنيفة تتعدى الكهرباء.

ويختلط الحابل بالنابل. ففي قانون الانتخاب، «القوات» تتفق مع «التيار» في المبدأ الأساسي، لكنها في التفاصيل تقترب من بري وجنبلاط أحياناً، ومن الحريري أحياناً أخرى.

وهذه الجبهة إياها تقف داعمة لـ«القوات» في رفضها الخطة العونية للكهرباء. وأما الحريري الذي عطّل جلسة بري للتمديد في 15 أيار، فهو في المقابل يصطف إلى جانب عون- باسيل في الكهرباء. فالمصالح متشابكة في السياسة وسواها.

منذ اليوم الأول للعهد، توقّع المتابعون وصول «التيار الوطني الحرّ» إلى استحقاق الحسم سريعاً. وهذا ما يراهن عليه خصوصاً بري وجنبلاط. فلا يمكن «التيار» أن يُبقي رِجلاً في الفلاحة مع «الحزب» ورِجلاً في البور مع «القوات».

وفي عبارة أخرى، إنّ بيع «التيار» للمواقف الاستراتيجية مع المقاومة، والمواقف الاستراتيجية مسيحياً مع «القوات»، قد تنطوي على تناقضات ذات عواقب مؤلمة، وقد لا تكفيه لشراء كل البضائع التي تخطر في باله.

ويمكن أن يعيش مفهوم «بَيّ الكل» الذي تبنّاه عون، طوال العهد. ولكن، بالتأكيد، سيجد «التيار» أنه لا يستطيع أن يكون «حليف الكلّ» في آن معاً، وإلى ما لا نهاية.