لا يمكن لمن يراقب تصريحات نواب تكتل “لبنان القوي” الا ان يخرج بانطباع أن تفاهم نيسان بين “الوطني الحر” و”حزب الله” في حكم المنتهي او هو مات بانتظار اعلان الوفاة ومراسم التشييع. عند كل مفترق او خلاف يتناوب سرب من نواب التكتل على مهاجمة “حزب الله” أو “الثنائي الشيعي”. وبين مرة واخرى يرتفع حجم الهجوم ليبلغ مداه كما حصل خلال اليومين الماضيين. مواقف نارية تنتقد الحليف الشيعي وتهاجم “حزب الله” كان ابرزها تلك التي تحدث فيها النائب زياد أسود عن مفاوضات مباشرة مع العدو الاسرائيلي والنائب جورج عطاالله.
كلما راجع “حزب الله” بتصريح هذا او ذاك كان الجواب فلان لا نسيطر عليه وذاك متفلّت وآخر تحدث من بنات أفكاره. لكن المعلوم ان لا صدف في السياسة ولا متفلتين بل هناك من يغض الطرف او يتجاهل. واستناداً للتجارب فإن لكل كتلة نائباً مغواراً يخرج عادة عن أدبيات حزبه او تياره فيقول ما لا يجرؤ آخرون على قوله، وينتهي المطاف بتوصيفه على أنه عنصر غير منضبط بعد أن تكون الرسالة وصلت.
تفاقم الإختلاف في وجهات النظر الى حد الخلاف الذي بدأ يظهر الى العلن بين “حزب الله” و”الوطني الحر”. ما يزيد على ستة عشر عاماً من التفاهم بات مهدداً أو هذا ما لوحت به مواقف نواب التكتل في السر والعلن. وقد بلغ الخلاف مداه مع تشكيل رئيس الجمهورية ميشال عون وفد لبنان للتفاوض مع اسرائيل حول ترسيم الحدود ثم بتبني، غير معلن رسمياً بعد، الثنائي الشيعي ترشيح الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.
وإذا كان الاختلاف حول الوفد صار من الماضي مع حرص “حزب الله” على الاشادة بدور عون الوطني، فإن ترشيح الحريري ومجريات النقاش حول التكليف والتأليف تنذر بشرخ عميق حول مقاربة الموضوع. في السياق المطمئن للحريري فإن تحالفاً رباعياً نشأ على حساب “التيار الوطني الحر” وكأن ثمة انقلاباً ضده يؤهل الحريري للعودة الى السلطة مجدداً بينما يبقى جبران باسيل في الخارج. الموافقة على ترشيح الحريري من دون الاتفاق المسبق معه على المرحلة المقبلة عزز هذا الشعور. كان ينقص ترشيح الحريري والاختلاف على وفد التفاوض لتزيدا طين العلاقة بلة. فـ”التيار” لم يتفهم بعد خصوصية “حزب الله” في ملف مكافحة الفساد، زد على ذلك العلاقة المستجدة للثنائي (بري تحديداً) مع الاميركيين تحت عنوان الترسيم البحري. لمثل تلك العلاقة ان تزيد شعور “التيار” بأنه مطوق فكيف اذا عاد الحريري ووجد ضالته بمن يحميه لتتحقق امنيته فيكون هو “جوا” وباسيل “برا”. بناء على المعلن من المواقف يبدو أن “التيار” يتخوف من أن يكون احتضان بري للحريري مجدداً على حسابه وحساب العهد. أجواء من هذا النوع لا يجد “حزب الله” ما يبررها.
متجاوزاً كل ما يصله من مواقف عبر الاعلام لا ينفك “حزب الله” يؤكد متانة العلاقة مع رئيس الجمهورية ومع رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل ولا يميّز بينهما. له ملء الثقة بعون ومواقفه المتعلقة بالسيادة الوطنية. يرفض “حزب الله” الحديث عن حلف رباعي او اي حلف آخر يمكن تركيبه في مواجهة حليفه، معترفاً في المقابل بوجود اختلاف مع “الوطني الحر” حول ترشيح لم يتبنه بعد ولم يعلن موقفه منه يتعلق بشخص سعد الحريري. ويعترف ايضاً بوجود هامش لكل طرف ليتحرك ضمنه. حين عقد باسيل التسوية الرئاسية مع الحريري لم يراجع “حزب الله” ويحتكم لرأيه و”لم نتخذ موقفاً بل تفهمنا” ورغم معارضة “حزب الله”، كان يفكر بترشيح نواف سلام.
نقطة الاختلاف بين “حزب الله” و”التيار” تكمن في رغبة الاخير بتشكيل حكومة أكثرية مجدداً وهو ما يراه “حزب الله” غير منطقي وغير ممكن، لا سيما في ظل الازمة المالية لكنه في المقابل كان واضحاً مع الحريري، وحسب مصادر “8 آذار” نال “الحزب” الموافقة على ان للثنائي الشيعي حق تسمية وزرائه كما للكتل النيابية الاخرى حق تسمية وزرائها. يدرك باسيل هذا الكلام جيداً كما يدرك ان لا وجود لتحالف رباعي. لا يريد “حزب الله” ان يكون سبباً لتفشيل المبادرة الفرنسية وهو لغاية اليوم لم يعلن قبوله بالحريري ولا السير بتسميته ولا حصلت إستشارات، ولكن لغاية اليوم لا يوجد مرشح الا سعد الحريري و”اذا لم نقبل به فمن هو البديل إذاً؟”.
في المقابل ورغم مواقف نوابه في التكتل وحدّتها يستمر “التيار الوطني الحر” في التأكيد ان العلاقة مع “حزب الله” مستقرة: “حتى ولو غطوا وصول الحريري وحتى لو كانت لدينا مرارة معه في أكثر من محطة، فإننا لن نختلف معهم ولم يظهر منهم ما يوحي بالمس بالتحالف”. صحيح ان حال الإمتعاض مبررة لدى الشارع المسيحي لكن “التيار” يتصرف “من موقع قيادة الشارع وليس الالتحاق أو الإنجراف وراء حالات الغضب”.