Site icon IMLebanon

معركة فكّ تحالف التيّار والحزب: بروفة جديدة!

 

انسداد الافق أمام تأليف حكومة جديدة أوضح للمتعاملين مع الأزمة اللبنانية أن القوى القادرة لا تزال في مكانها، وأن كل ما جرى منذ 17 تشرين إلى اليوم، لا يعدو كونه لحظة غضب طويلة، لكنها لا تؤسس لتغيير قواعد اللعبة. واقع الحال، اليوم، يؤكد أن قوى السلطة نفسها تتحكّم بأمر تأليف الحكومة، وأن القوى الخارجية تمارس اللعبة نفسها… لكن مع جديد يقول إنه ربما صارت باليد حيلة جديدة، اسمها المجتمع المدني والـ«ثاو ثاو».

 

داخلياً، لا تملك قوى السلطة قدرات على تبديل الوقائع الشعبية. ما خسرته كان كبيراً. لكنه ليس بالحجم الذي يُلزمها تقديم تنازلات للناس، بل بالحجم الذي يفرض عليها إعادة تنظيم علاقاتها في ما بينها. وهنا تكمن المشكلة:

الفريق الذي قاده نبيه بري ورفيق الحريري (وسعد تالياً) ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية ومسيحيو الطائف يعيد رصّ الصفوف. معركته الأساسية المحافظة على مكتسبات التسعينيات وما تلاها. وهم ليسوا «أولاد الساعة» في معرفة الطريق الى مواجهة خصومهم. لكنهم يفتقرون الى أدوات كانت أكثر توفراً سابقاً. بمعنى أن الغطاء الإقليمي والخارجي لن يتوفر لهم هذه المرة من دون أثمان تتعلق بما يتجاوز الساحة المحلية. أي، ببساطة، لا يمكن الرياض وأبو ظبي وباريس ولندن وواشنطن تقديم الدعم لهذه المجموعة ما لم تضمن مسبقاً أنها ستكون في قلب معركة محاصرة حزب الله أو تحجيمه. ولدى طرح هذه المهمة، يبدأ الانقسام داخل هذا الفريق. بري وفرنجية لا يقبلان الانخراط في معركة ضد الحزب. جنبلاط لديه الكثير من الأفكار الشيطانية، لكنه يعاني ضائقة فعالية فينتهي جرساً يُقرع لتحذير الخصوم. أما الحريري فحاله لا تسرّ أحداً. وهو، أصلاً، بات مقتنعاً بأن الانتحار هو نتيجة المواجهة مع حزب الله، وأن كلفة المواجهة تنهي ما تبقّى من بلاد يسعى للعودة الى قيادتها. أما مسيحيو الطائف، فقد انحسروا حضوراً ونفوذاً، ولا ناقة لهم ولا جمل.

في المقلب الآخر، هناك التجمع المتبعثر في مواجهة الجهتين معاً: في مواجهة «قوى الطائف» وفي مواجهة حزب الله. وهو تجمع تبرز فيه القوات اللبنانية طرفاً مركزياً، لكنها لم تنجح بعد في انتزاع الاعتراف بدورها القيادي، لا من بقايا مسيحيي 14 آذار، ولا من حزب الكتائب، ولا من نادي رؤساء الحكومات السابقين، ولا أيضاً من الشباب الغاضب في الشوارع والجامعات. تعاني القوات أزمة شرعية حادة لا يعرف أحد كيفية معالجتها. لكنها تبقى الطرف الذي لا بديل منه لدى غالبية عناصر هذا التجمع، لأن كل القوى التي خرجت من رحم 14 آذار انتهت على شكل أصوات متفرقة، والأحزاب البديلة، كالكتائب، ليست في موقع ادعاء القيادة، والمجموعات التي انضوت في الـ«ثاو ثاو» غير قادرة على رفع شعار التحالف الوثيق مع القوات، فيما تتخبط الكنيسة في موقفها من كل هذا الجدل. صحيح أن بشارة الراعي أو الياس عودة أو كميل مبارك، أو آخرين، يمكن أن يرددوا مواقف سمير جعجع نفسها، لكنهم غير قادرين على السير خلفه فيما هم يلجأون اليوم الى مقاربة جديدة مع شباب الشارع. وهم يريدون ممارسة دور رعائي قد يكون من الصعب ترجمته الى وصاية، وخصوصاً أن المرجعيات الدينية العاملة ضمن الجبهة المعارضة لحزب الله باتت تقليدية الى أبعد الحدود. دار الفتوى لا تتحرك من دون إشارة بيت الوسط، أما مشيخة العقل فلا نقاش فيها حول أي بند لا يدرجه جنبلاط في جدول الأعمال، والكنيسة تخشى من انقسام مسيحي ــــ مسيحي قد يكون أشدّ قساوة مما حصل في ثمانينيات القرن الماضي.

لذلك، لا يمكن للمرء أن يعثر على هذا التجمع إلا على شكل فتات إعلامي صارخ، يتنقل بين المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. لكنّ أحداً غير قادر على جمعهم حول طاولة واحدة. وحتى سفارات أميركا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات، ليست جميعها في موقع ادعاء القدرة على ذلك.

 

 

لكن، لنكن واقعيين. يلتقي «فريق الطائف» و«الجبهة المتبعثرة»، اليوم، عند قاسم مشترك واحد، وهو كيفية الحدّ من نفوذ التحالف الثنائي الوحيد القوي في البلاد اليوم، أي تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر. وحتى لا يذهب الناس في التحليل بعيداً، فإن تعذّر انخراط الجميع في مهاجمة حزب الله، لأسباب مختلفة، لا يعود متعذراً إذا كان عنوان الهجوم ميشال عون أو جبران باسيل. وفي هذه النقطة، لا يعود الأمر يقتصر على هاتين الجبهتين، ولننظر وندقّق قليلاً:

ما الذي يجمع فريق الطائف وخصومه والمجتمعات المدنية على أنواعها، وإعلام الـ«ثاو ثاو» غير الهجوم، بقوة ومباشرة، على جبران باسيل وميشال عون، أو الهجوم بـ«القطعة» على حزب الله؟

ما يجمع هؤلاء، هو الاعتقاد الراسخ، والمنطقي، بأن موقف العماد عون والتيار الوطني الحر في المعادلة الداخلية يحول دون تنفيذ انقلاب كبير على اتفاق الدوحة. الاتفاق الذي كرّس معادلات ما بعد الـ 2005 وما بعد الـ 2006. وبالتالي، فإن العمل على الأمر يحتاج الى جهد مزدوج:

الأول، الضغط على قيادات التيار الوطني الحر للانفكاك عن حزب الله والمقاومة، ومن لا يقبل سيكون رأسه على المقصلة كما حصل ويحصل مع جبران باسيل.

الثاني، إطلاق عملية تحميل حزب الله مسؤولية عدم محاسبة الفاسدين، وتحويله الى عقبة أمام بناء دولة جديدة. وعند الحديث عنه، لا يقصد خصوم الحزب دور جهاد البناء أو الهيئة الصحية (وإن كانوا يعدّون لهجوم على هذه المؤسسات أيضاً)، بل يقصدون المقاومة ونقطة على السطر.

وسط هذه الأجواء، يخرج من يسأل: لماذا يتمسك حزب الله بالعلاقة مع عون وباسيل؟

السائلون، في جلّهم، من أركان ورعايا الطبقة السياسية إياها. ويتجاهل هؤلاء أن المقاومة تدفع من شرفها ونفوذها ورصيدها وماء وجهها الكثير، لمجرد أنها لا تزال تتعاطى مع هذه المجموعة المسؤولة عن كل شيء بشع في لبنان خلال السنوات الخمسين الأخيرة.

لتكن الأمور واضحة: من يريد بناء دولة جديدة، ليس فيها للفساد أو التبعية مكان، عليه، أولاً وقبل كل شيء، أن يجلس مع عائلته ورفاقه وأهل بيته، ويسألهم إن كان لا يزال صالحاً للخدمة العامة. ولأنه لن يفعل، فما علينا سوى توقع مزيد من التدهور. لكن الجديد المفترض هو أن الجبهة التي تجمع التيار الوطني الحر وحزب الله ستكون أمام تحديات كبيرة، ولا سيما على صعيد تنظيف نفسها، عبر إزالة «الحلفاء الأوهام»، والإقرار بالأخطاء الكبيرة المرتكبة، والسير نحو مشروع بناء دستور جديد للبلاد، أساسه الدولة المدنية ولا شيء آخر!

ومن المفيد لفت انتباه الآخرين الى أن الاستعدادات لإطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات والتحركات لن تكون بالزخم السابق نفسه، ليس بسبب تضارب الأهداف عند المجموعات المنضوية في الحراك فحسب، بل لكون بعض أركان الـ«ثاو ثاو» يستعجلون احتلال مقاعد الحكومة والبرلمان… والإعلام أيضاً!