قال الوزير الراحل فؤاد بطرس، في حوار مع الصحافي غسان شربل، إنّه «خلال أزمة انترا عام 1966 كان هناك تعاون وثيق بين الحكومة والبنك المركزي…». هذا التعاون مفقود الآن بين حكومة الرئيس حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وفي حين يترقّب كثيرون إطلالة سلامة لمصارحة اللبنانيين بالأسباب التي آلت بالوضع النقدي الى ما هو عليه الآن، ما زالت «إقالة سلامة» وما أحاط بها من معطيات، موضع بحث ومناكفات، سياسياً وشعبياً وحتى طائفياً.
يؤكّد البعض أنّ «التيار الوطني الحر» وحليفه «حزب الله» يسعيان الى وضع اليد على حاكمية مصرف لبنان من خلال إقالة سلامة، وذلك في خطوة باتجاه السيطرة على النظام المالي – النقدي – الإقتصادي في البلد. كذلك، يُتداول بمعلومات مفادها أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار» النائب جبران باسيل تراجعا عن إقالة سلامة وعن استهدافه بشراسة، بعد تلقّيهما تحذيرات وتنبيهات غربية من تداعيات هذا الموقف، خصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية التي وضعت خطاً أحمر على إقالة سلامة.
هذه الأخبار تثير السخرية والاستهزاء لدى «التيار»، الذي يسأل: «أين الإثباتات؟ وما علاقة «التيار» بقرار حكومة مجتمعة، يستند الى تقرير شركة «لازار» للاستشارات المالية الدولية، والذي كشف أنّ هناك فجوة في حسابات المصرف المركزي، في وقتٍ يرفض سلامة التجاوب مع الحكومة ورئيسها وتقديم المعلومات المطلوبة والكشف عن أرقام المركزي؟ وماذا يفعل رئيس الحكومة في هذه الحالة؟ أليس رئيس السلطة التنفيذية؟ أليس مُطالباً باتخاذ القرارات اللازمة والعمل على معالجة الوضع الراهن، حيث فُقد الدولار من السوق، وانخفضت قيمة الليرة وسعر صرفها بنحو دراماتيكي، والناس تفقد أموالها وجنى أعمارها؟».
وتؤكد هذه المصادر أنّ «التيار الوطني الحر» ليس الحكومة بل يدعم وزراء في هذه الحكومة، ومن تحدّث عن محاسبة سلامة أو مساءلته هو رئيس الحكومة والناطق باسمها». وتستغرب المنحى الطائفي الذي أخذ البعض هذا الموضوع إليه، وتسأل: هل يُعقل أنّ رئيس الحكومة يريد الإنتقام من رياض سلامة المسيحي الماروني؟»، مشيرة الى «دقة كلام دياب بعد جلسة مجلس الوزراء الجمعة الماضي، والى أنّه بنى كلامه على معطيات علمية، أبرزها وأهمها تلك التي كشف عنها تقرير «لازار»، التي كُلّفت إجراء دراسة حقيقية حول الوضع المالي، والتي توصّلت الى أنّ هناك فجوة في حسابات المصرف المركزي، المؤتَمن على السياسة النقدية، بقيمة 46 مليار دولار، أي ما يوازي نحو ثلث الدين العام». وإذ تلفت الى أنّ «دياب استدعى سلامة واستمع إليه وطلب منه تزويد الحكومة بالحسابات والأرقام الدقيقة والحقيقية، إلّا أنه امتنع عن ذلك»، تسأل: «ألا يجدر برئيس السلطة التنفيذية مساءلة أو محاسبة موظف يمتنع عن أداء ما تُمليه عليه وظيفته؟».
البيانات والمواقف المعترضة على إقالة سلامة أو محاسبته، استبَقَت موقف الحكومة، وزادت حدّتها بعد كلام دياب، خصوصاً بعد إعلانه عن اتخاذ قرار تكليف شركة دولية للتدقيق الحسابي في حسابات مصرف لبنان، واتهمت الحكومة ورئيسها بتصفية حسابات سياسية. هذه المواقف تستغربها مصادر «التيار»، وتقول: «دياب قرّر المضي بكشف الحقائق وتبيان مكامن الفساد والسرقة، وكلّ حسابات المصرف المركزي والى أين آلت أمواله التي هي أساساً أموال المودعين، ولم يقل إنّه سيحاسب شخصاً معيناً أو جهة محددة، فما سبب هذه الحملة ضده، ولماذا شعرت هذه الأطراف أنها معنيّة، وهو لم يوجّه اتهاماً لأحد»؟
وتشير مصادر «التيار» الى أنّ الحكومة كلّفت 3 شركات دولية ذات مصداقية للتدقيق في حسابات «المركزي»، في خطوة شفّافة تحول دون تسييس أو تطييف أو تحزيب عملها أو التقارير التي ستصدرها. وفي هذا الإطار العملي الشفّاف، يشيد التيار بأداء دياب، وتقول مصادر «التيار»: «لا تستهينوا به». وإذ تؤكد أنّ «دياب لم يهِن سلامة ولم يحكم عليه، خلافاً لما ورد في بيانات تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الإشتراكي»، بل طلبَ منه مصارحة اللبنانيين والكشف عن أرقام «المركزي»، تسأل: لماذا لم تدافع القيادات المسيحية عن سلامة بالحِدّة نفسها التي دافع عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «المستقبل» سعد الحريري؟ هل لأنّ سلامة نفّذ سياسات على مدى 30 سنة مرتبطة بهذه المنظومة؟ وما سبب التصدي لدياب؟ وهل إنّ تكليف شركات دولية للتدقيق المالي، والتي لن تغطّي هي أو حكومات الدول التي تنتمي إليها أيّ فساد أو فاسد، هي التي أشعلت هذه الأطراف السياسية؟».
الحديث عن تراجع «التيار» عن موقفه من سلامة يأتي في سياق «الهجمة الإستباقية» نفسها، بحسب المصادر، التي تؤكد أنّ موقف «التيار» واضح، وهو نفسه ولم يتغيّر، وهو انّ «سلامة ليس وحده المسؤول عن الأزمة النقدية، لكنه المسؤول عن الإعلان عن أسبابها والكشف عن حقائقها».
أمّا «المحاسبة» بنحوٍ عام، وليس محاسبة سلامة فقط، فلن يتخلّى عنها «التيار»، وتؤكّد مصادره أنّ «مجال محاسبة سلامة وغيره من المسؤولين قائم، وإذا لم تُجرِ الحكومة هذه المحاسبة، فإنّ مصيرها السقوط». وكان باسيل قد تحدّى الجميع بإقرار «قانون واحد سريع وفعّال، ويفرز بسرعة الفاسدين من الأوادم، وهو قانون كشف الحسابات المالية والأملاك، ويقضي بالطلب الى هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي، بكشف حسابات وأملاك كلّ قائم بخدمة عامة منذ دخوله إليها…».
وإنّ مشكلة غالبية القوى السياسية التي لا تكفّ عن استهداف «التيار»، بحسب ما تقول مصادره، تكمن في «أننا لم نرض المشاركة بجزء من كعكة أو حصة، وحاولنا أن نتعايَش مع هذه المشكلة القائمة، لكنّ نظرية الإصلاح بالتراضي سقطت، والآن حان وقت كَشف الفساد والحقائق والمحاسبة، وهذا ما يُطالب به الشعب اللبناني، وكلّما زاد خوف الجهات السياسية، كلّما اشتدّت الحملات علينا».