IMLebanon

«التيار» يتّجه نحو العزلة؟

 

يقول سياسي خبير: «لا يجوز استغراب أن يقع «التيار الوطني الحرّ» في مطبّات سياسية. فهو يمارس السلطة فعلياً للمرة الأولى، وعلى الجميع مساعدته. وعادةً، في كل ممارسة جديدة يمكن أن يقع التعثّر أو الخطأ، لأنّ صاحبها لا يكون مُجَرَّباً، مهما ظنّ نفسه بارعاً. ولكن، مع الوقت، وبحسب القدرة على الاستيعاب واكتساب الخبرات وتَعلّم الدروس، تصبح الممارسة أكثر احترافاً. وعلى مدى عام من ممارسة السلطة، إكتسب «التيار» خبرات. وفي الأيام الأخيرة، تلقّن دروساً. فهل سيراجع حساباته ويُحسّن الأداء؟

هناك مخاوف يعبِّر عنها بعض أوساط «التيار الوطني الحرّ» من دخوله تدريجاً في وضعية من العزل والحصار. وربما لا يكون الأمر على مقدار كبير من الخطورة… لولا أنّ وضعية «التيار» تنعكس مباشرة، وبقوة، على وضعية رئاسة الجمهورية التي هي الضمان الميثاقي الوحيد للمسيحيين في الحكم. وقد يصبح المأزق أكبر إذا لم يدرك «التيار» هذا الواقع ويُسارع إلى استيعابه.

وقد برز أخيراً مؤشّران، فوق مؤشرات أخرى، يدعمان وضعية العزل والحصار هما:

1- تحسُّس القوى المذهبية، غير المسيحية، للهامش الواسع الذي يتيحه وزراء «التيار» لأنفسهم في داخل مجلس الوزراء. وهذا ما استأهل «قمة» بين الزعامات غير المسيحية في كليمنصو قبل أيام. ولكن، في «التيار» مَن يقول: «يحقّ لنا بهذا الهامش على مداه. فهؤلاء يفعلون اليوم أكثر، ولم يوفّروا شيئاً على مدى ربع قرن، ولم يعترضهم أحد».

وهذا الكلام، من جانب «التيار» فيه تبريرات يصعب إنكارها. فممارسة غالبية القوى المذهبية ليست أفضل، ولم تكن أفضل، في أي يوم، وباعتراف هذه القوى نفسها. ولكن، هل ينفع «التيار» اعتماد هذا السلوك في تحقيق التوازن المفقود؟ أم هو يدفع القوى المذهبية الأخرى إلى التكتل للمواجهة؟

في عبارة أخرى، عندما يُنسِّق السنّة والشيعة والدروز في ما بينهم لكبح جموح «التيار»، ورئيس الجمهورية تالياً، هل يجد «التيار» نفسه في وضعية احتضان مسيحي كامل تساعده على الحدّ من الضغوط؟ هنا يبرز المؤشر الثاني.

2- لا يتمتع «التيار» اليوم بذلك الدعم القوي من حلفائه «الجدُد» في «القوات اللبنانية»، كما كانت الحال عند بداية العهد. ففي ظلّ التنافر الخفيّ والظاهر بين الطرفين، داخل مجلس الوزراء، والاستعدادات القاسية لمعارك انتخابية في أمكنة كثيرة، تتكوَّن أسئلة عن واقع العلاقة بينهما ومستقبلها.

حاول الدكتور سمير جعجع تطويق الأزمة مراراً بالعودة إلى الرئيس ميشال عون نفسه، حرصاً على «النوايا». لكنّ الرئيس فضّل أن يضطلع بدور الرئيس، تاركاً مهمّة التواصل الحزبي على مستوى القيادتين: جعجع والوزير جبران باسيل. وطبعاً، هذا لم يوصِل إلى نتيجة. وهناك انتظار لمواعيد بين جعجع وكل من عون وباسيل، يمكن أن تفرضها ظروف «التيار».

يشكو «القوّاتيون» من أنّ وزراء «التيار» «لا يسألون عن أحد». ولا يقيمون وزناً لمطالب وزراء «القوات»، حتى تلك المتعلقة باحترام الأصول القانونية والدستورية وعمل المؤسسات في إدارة الملفات، وحتى في التعيينات. وفي اختصار، يقولون عنهم: «شهيّتهم مفتوحة على كل ما هو أمامهم، ويظنّون أنّ شراكتهم مع «المستقبل»، في الملفات، كافية ووافية».

قد لا تؤيّد «القوات» أن تؤدي دينامية «ثلاثي كليمنصو» إلى ضرب «التيار»، لأنها لا تريد انعكاس ذلك على رئاسة الجمهورية والتوازن الطائفي داخل مجلس الوزراء، لكنها تلتزم الصمت تجاه اللقاء. ولهذا الأمر تفسيرات يجب أن يقرأها «التيار» جيداً.

كل ذلك، فيما «التيار» خسر غالبية تحالفاته المسيحية الأخرى: النائب سليمان فرنجية والكتائب، إضافة الى آخرين. ولم يبقَ سوى دعم بكركي لرئيس الجمهورية المحصور بالدعم التقليدي لموقع الرئاسة.

إذاً، يحتاج «التيار» اليوم إلى قراءة جديدة للمعطيات، إذا كان يريد إنقاذ العهد وما يقال إنه تحقّق في مجال استعادة التوازن المفقود داخل مؤسسات الحكم. وعليه أولاً أن يوسِّع مفهومه للشراكة مسيحياً ووطنياً. وهو يحتاج إلى التقليل من خصومه لئلّا يصبح معزولاً ومحاصراً في المواجهة.

وإلّا، فبمَن يستقوي «التيار» إذا لم يكن يحصل على التغطية المسيحية في الدرجة الأولى، وإذا كان حليفه الشيعي الأوحد، «حزب الله»، يمنح أوراقه لرئيس المجلس بكل ثقة، فيما الرئيس سعد الحريري بدأ يفكر بأرباح الشراكة مع باسيل وخسائرها؟

ليس في الأفق ما يستقوي به «التيار»، إلّا إذا كان البعض يتوقع أن يكون لبنان مقبلاً على استنساخ تجارب الحكم في المرحلة السورية، بعد اكتمال التطبيع مع دمشق – الأسد (من دون أن يعني ذلك عودة سوريا إلى لبنان) حيث لا يتنازع أركان «الترويكا»، بدعم سياسي أو شعبي من داخل طوائفهم، بل بالدعم الخارجي!

البعض يعتقد أنّ بعضاً من رياح ما قبل 2005 يلفح الحالة السياسية في لبنان، وأنّ السياسيين الذين يمتلكون حاسّة شمّ قوية بدأوا يفكرون في تدبير أمورهم باكراً وإجراء الحسابات: الإنتخابات النيابية والحكومة المقبلة… بل رئاسة الجمهورية المقبلة.

ولذلك، على «التيار» مسؤولية كبيرة في سلوك سياسي لا يقوده إلى خسارة المكتسبات. وفي هذا الإطار، يقول السياسي الخبير: «في السياسة، قد يكون التواضع أكثر الفضائل الرابحة. فهل بدأ «التيار» يقتنع بالتواضع؟