IMLebanon

التيار «يبايع» باسيل

أخيراً يمكن العونيين طي صفحة «القيل والقال» بين وزرائهم ونوابهم، بعدما أنهكت التيار الوطني الحر وشتتت جهود محازبيه. صار جبران باسيل رئيساً بإجماع النواب وأبرز المسؤولين وموافقتهم؛ يمكن الماكينة الحزبية أن تنشط وتنشط ضمنها معارضة حزبية مستقلة عن مصالح النواب يكون همها تطوير التيار لا إسناد الانتهازيين

الخاسر الأكبر في الملف العونيّ أمس كان ابن شقيق الجنرال نعيم عون الذي وُصف لسنوات بأنه المؤثر الأبرز بعد العماد ميشال عون في حجارة زاوية التيار. فبعدما كان يأخذ نعيم على العماد عون عدم الشروع في مأسسة التيار، ما كاد موعد الانتخابات الحزبية يحدد حتى بات مأخذه ثغرات في النظام الداخلي وبعض التفاصيل التقنية. ومع إقلاع الانتخابات، تبين أن نصف من يعول عليهم نعيم عون منضوون بحماسة في ماكينة الوزير جبران باسيل، أما الناشطون الآخرون، فقد اكتشفوا أن «القائد» المفترض كان يدفعهم إلى المعركة ضد باسيل وخلفه الجنرال لتحسين شروطه التفاوضية.

أما النواب الذين يشتكون منذ أكثر من ست سنوات من أداء الوزير جبران باسيل السياسي والتنظيمي، ويحمّلونه مسؤولية «الحرتقة» عليهم عبر رجال الأعمال المحيطين به، ويعيبون عليه إقناعه الجنرال بالمخارج التسووية من كل معركة سياسية، فتناسوا كل ذلك، محولين (باستثناء النائب زياد أسود) الاستحقاق الانتخابي إلى مناسبة لتكريس بيعة باسيل.

ولا شك هنا أن النائب آلان عون حُمّل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعيد انسحابه أمس، أكثر مما يحتمل. فهو بادر إلى الترشح حين رأى أن كرة الثلج الباسيلية تتدحرج صوب الرئاسة دون أن يوقفها أحد، فترشح للقول إن ثمة خيارا آخر ولم تحسم هوية الرئيس المنتظر بعد، وهو كان يراهن هنا على: أولاً، عدم انخراط الجنرال في المعركة أكثر باعتباره ابن شقيقته المقربة جداً منه.

بدا أمس أن الثقة

بباسيل أفضل وأهون بكثير من الثقة بمناوئيه المفترضين

ثانياً، تركيب ماكينة انتخابية قوية يكون عمادها نعيم عون كصلة وصل بالناشطين والقياديين العونيين وزملائه النواب المؤثرين في المتن وجبيل وجزين. ثالثاً، وجود جو عام بين حلفاء التيار مناهض لجبران. إلا أن الرهانات الثلاثة سقطت: الحلفاء أوصلوا رسائل متعددة تفيد بأن كسر إرادة ميشال عون في هذه المرحلة بأي ملف هو خطأ لا يغتفر. الجنرال انخرط في المعركة إلى جانب باسيل. وثبت أن شيكات نعيم من دون رصيد، فيما قرر كنعان الانشغال عن الإعداد للمعركة المفترضة بتكرار تجربة «التفاوض الناجح» مع القوات اللبنانية. وقد استبق «المفاوض البارع» الإعلان عن انسحاب آلان عون بحملة إعلانية في الصحف والمواقع الإخبارية تسوّق مكاسب النواب من التسوية برغم تأكيده قبل بضعة أيام في مجالسه أن التعديلات على النظام الداخلي لا تقدم أو تؤخر بشيء، لأن النظام رئاسيّ أساساً، والرئيس مطلق الصلاحيات معنويا، مهما كانت صلاحياته في النصوص.

وهكذا وجد نائب بعبدا أن الظروف جميعها تعمل ضده. مع العلم أن آلان عون أخطأ أمس في صياغة خطاب الاستسلام، فهو تذرع بأن التنافس الديمقراطي (بين مرشحين للفوز برئاسة حزب لا يتجاوز عدد ناخبيه عشرين ألف) ينذر بانقسام يهدد وحدة التيار، فيما كان هو نفسه يقنع الناخبين قبل أيام بأن عليهم تجاوز كل مخاوفهم والاقتراع بحرية ضمير لأن المرشحين سيقبلان بعضهما بعضا في نهاية اليوم الانتخابي، ويعملان جنباً إلى جنب. وهو نفسه كان يعارض التمديد للمجلس النيابي ويطالب بانتخاب أربعة ملايين الرئيس مباشرة من الشعب، رافضاً كل الذرائع الأمنية والمخاطر المحدقة بالبلد، كما بدا غريباً نزول عون «عند رغبة الجنرال» أمس، فيما كانت رغبات الجنرال واضحة حين ترشح «مورِّطاً» في دعمه مئات الناشطين.

بالعودة إلى الرابية، توج رئيس تكتل التغيير والإصلاح أمس سلسلة اجتماعات سابقة بلقاء موسع أعلن فيه الجنرال أنه ضمانة الجميع، موصياً صهره وابن شقيقته وكل الآخرين بأن يكونوا ضمانة لبعضهم بعضا. وهو أصر على إعلان النائب آلان عون انسحابه من دارته، معلناً عدم وجود رابح أو خاسر رداً على حملات المقربين من باسيل الافتراضية، التي عدت انسحاب عون نصراً كبيراً لوزير الخارجية. وأكد الجنرال أن عمل التيار بدأ معه، لكنه لن ينتهي معه. وبدا واضحاً خلال الاجتماع وبعده سعادة الجنرال بالاتفاق، وتقديره لنائب بعبدا توفيره كل وجع الرأس عليه.

من جهة أخرى، قرر النائب زياد أسود ألا يكون كبش فداء آخر بعد آلان، يستفيد من «ذبحه» أحد زملائه، وخصوصاً أن ظروف المعركة غير متوازنة فأعلن عدم نيته الترشح.

يشار أخيراً إلى أن انسحاب النائب آلان عون وفريق النواب والمرشحين والقياديين العونيين الذين يمثلهم بهذه الطريقة، واستعداد باسيل لاستيعاب كثيرين من شأنه أن يخلط أوراقاً كثيرة، فيكون انتخاب باسيل رئيساً للحزب مقدمة لتغييرات كبيرة في التيار الوطني الحر. فحتى أول من أمس، كانت مشكلة باسيل الرئيسية داخل التيار تكمن في عدم وثوق النواة العونية الصغيرة (أو حجارة زوايا التيار) به، لكن أمس بدا لهؤلاء أن الثقة بباسيل أفضل وأهون بكثير من الثقة بمناوئيه المفترضين. وغداً هو دون شك يوم آخر لكل عوني ــ سقطت رهاناته على الآخرين ــ سيتصل باسيل به كرئيس حزب. فطوال سنوات كان بعض الناشطين خارج القيادة التنظيمية لكنهم يتمتعون بثقة القاعدة. اليوم بقي هؤلاء خارج القيادة التنظيمية، ويُظهِر رد الفعل الأوليّ على وسائل التواصل الاجتماعية صعوبة استمرار ثقة القاعدة بهم. أما محاولة النائب ابراهيم كنعان إقناع شباب التيار بأنه حقق إنجازاً كبيراً بجعله التوافق على رئاسة باسيل أمراً واقعاً، فستلاقي المصير نفسه لمحاولته إقناع العونيين بأن التفاهم مع القوات اللبنانية إنجاز عظيم.