يصعب تقبّل فكرة أن «التصعيد» في المطالب بات علامة فارقة في مسارات تأليف الحكومات في لبنان.
بصراحة: لسنا ندري من أين جاءوا بهذه الفكرة وأيضاً بهذا الأسلوب الجهنمي الذي «يقطع» زمناً طويلاً من عمر الحكومات في مخاض عسير، وهو وقت مهدور.
يعرف الجميع أنَّ الامر كان يُبت في أيام معدودة زمن الوصاية السورية. ويعرف الجميع أنَّ هذين الغنج والدلال لم يكونا مستساغين في زمن صلاحيات رئيس الجمهورية. فقد كانت الأمور أبيض أبيض أو أسود أسود، وليس ما بينهما من مساحات رمادية تتبدّل فيها بورصة التأليف الحكومي بين يوم وآخر وأحياناً بين ساعة وأخرى.
واللبنانيون وأيضاً الأجانب المقيمون في لبنان يعرفون، أو وصلهم بالتواتر، أنَّ زعيماً من قامة الكبير الكبير المرحوم كمال بك جنبلاط، كان ينتقل الى القصر الجمهوري في مرحلة الاستشارات النيابية (غير الملزمة) حاملاً مطالب (وليست شروطاً) الحركة الوطنية بما فيها جبهة النضال الوطني ومجموعة الأحزاب اليسارية التي غالباً ما كانت تنطوي على 13 بنداً، ينص آخرها، الثالث عشر، على الآتي: «وعلى أساس تلبية هذه المطالب نشارك في الحكم».
وكان رئيس الجمهورية يحسمها: يا كمال بك حدثني بالبند الثالث عشر!
وينتهي اللقاء عموماً، (إلا نادراً جداً) بدخول الزعيم الكبير في الحكومة، حتى إذا عُين مرة وزيراً للداخلية قال قولته الشهيرة: «أنا حاكم لبنان الاداري» وهي قولة تحمل حرقة ودلالة. أما الحرقة فلأنّ «التركيبة» في لبنان لا تسمح لزعيم بحجم كمال جنبلاط أن يكون واحداً من الرؤساء الثلاثة. وأما الدلالة فهي حرص جنبلاط على أن يؤكد قيمة ذاته بأنه ند للرؤساء من دون أن يكون متربعاً على كرسي عالٍ.
سقنا ما تقدم من كلام لنعيد طرح السؤال: من هو هذا الذي سمح بهذه الفوضى غير المسبوقة (لا في لبنان ولا في أي بلدٍ من بلدان العالم) القائمة على ربط تأليف الحكومات بمطالب شخصية وحصص ذاتية.
في إيطاليا وفي بلجيكا وفي سواهما يتأخر التأليف أكثر من لبنان، ولكن ليس بسبب المحاصصة إنما بسبب الخلافات على القضايا الحياتية التي تهم الناس..
أما الأقوام عندنا فكما نعرف منذ سنوات وكما عرفنا في الحقبة الأخيرة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري في أواخر شهر أيار الماضي وحتى اليوم.. وما يؤذي أكثر فأكثر أن الذين يرفعون السقوف يجدون أنفسهم، في آخر المطاف، منقادين الى الحكومة ولكنهم مجرَّدون من معظم طموحاتهم ومطالبهم التي يطير منها جزء كلما طال الانتظار.
وأكثر ما يؤذي أنَّ الجميع باتوا «أساتذة» في ابتكار العراقيل. ويكاد لا يوجد طرف واحد قادرٌ على أن يدّعي أنه لم يعرقل.