Site icon IMLebanon

هل نقول وداعاً لأساتذة ومعلمي لبنان؟

 

هجرة الأدمغة، معضلة عايَشها لبنان منذ القدم ولم يتمكن حكامه من وضع حد لها. بل على العكس، ها هي تتفاقم يوماً بعد يوم خصوصاً في ظلّ الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة. فبعد القضاة والأطباء والممرضين، تطرق الهجرة اليوم أبواب دكاترة الجامعات وأساتذة المدارس الذين يعدّون العدّة للتوجّه الى بلدان الإغتراب. فمن المسؤول عن ضرب القطاع التعليمي؟ والى أي مصير يُقاد المستوى التعليمي في لبنان في حال تزايد هذه الظاهرة؟

 

هي هجرة قاتلة تصيب كليّات الجامعة اللّبنانية، التي تخسر استاذة محاضرين، وتحديداً المتعاقدين في الساعة، والذين يتقاضون راتبهم بـ»القطّارة» وبشكل سنوي.

 

يتراوح عدد الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللّبنانية بين 700 و 800 أستاذ، دفعهم اليأس والمماطلة ببَت ملف التفرغ الى تجرع الكأس المر وباتت فئة كبيرة منهم مقتنعة أنّ مستقبلها الاكاديمي لم يعد في الجامعة اللبنانية، ففضّلت مغادرة أرض الوطن الى بلدان تقدّر دور المعلّم وتثمّنه، خصوصاً ان ملف التفرّغ لم يبتّ به حتى اللحظة تحت ذرائع وأسباب عديدة. بل على العكس عمد وزير التربية طارق المجذوب في الأسابيع الماضية الى الطلب من رئيس الجامعة البروفيسور فؤاد أيوب شطب أسماء الأساتذة الذين غادروا الى الخارج من ملف التفرغ، رغم استمرارهم بعملهم من بلاد الإغتراب عبر تقنية التعلّم عن بعد المعتمدة في الجامعة اللّبنانية كما سائر الجامعات في لبنان.

 

وعليه، رفضت بعض الكليات رفع أسماء الأساتذة الذين غادروا البلاد الى رئيس الجامعة ليقدمها بدوره للوزير، وذلك في محاولة منهم للحفاظ على حقوق الاساتذة في حال بتّ بملف التفرّغ، ما قد يشكّل لهم عنصر جذب للعودة الى وطنهم».

 

على أنّ مصادر مسؤولة في الجامعة اللبنانية، تؤكّد أن أعداد الأساتذة الذين غادروا لبنان لا يمكن حسمها أو تحديدها قبل العودة الى التعليم الحضوري، مرشّحة أن يكون «بعضهم قد غادر من دون الابلاغ رسمياً عن الأمر».

 

وفي حين تشير المصادر الى أنّ «بعض الأساتذة يُعطي ساعات من بعد لجامعات خارج الحدود اللبنانية في محاولة لكسب الـ»fresh money»، تؤكد أنّ عدداً آخر «ارتبط مع جامعات في الخارج ووقع عقوداً للعام المقبل».

 

شريحة أخرى، بحسب المصادر عينها، «من المتفرّغين المثبتين، وأصحاب الكفاءات العالية، تحصل اليوم على عروض كثيرة وفرص جديدة في بلدان الإغتراب».

 

على أنّ المقلق، بحسب المصادر، عدم استقطاب «الجامعة اللّبنانية بعد اليوم أساتذة من الخارج، ممن لديهم الشهادة والخبرة الجديدة، ومن النخَب كون الرواتب لم تشكل عنصر إغراء لأي أستاذ، ما ينعكس حكماً تراجعاً على المستوى التعليمي الجامعي في لبنان». وتلفت الى أن وجهة الأساتذة ستكون اما الجامعات الخاصة أو الخارج.

 

الجامعات الخاصة

هذا التخبّط الذي تعيشه الجامعة اللّبنانية، بدأت تتلمّسه بعض الجامعات الخاصة، كالجامعة الأميركية التي خسرت العام الماضي عدداً من اساتذتها، خصوصا الأجانب منهم. وخصّص بعضها نحو 25 % من راتب اساتذته بالعملة الخضراء، وذلك بهدف الحفاظ عليهم وتالياً على المستوى التعليميّ للجامعة.

 

المدارس

هذا حال الجامعات فماذا عن المدارس؟ رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي يؤكد أن الخيار سيكون حكماً نحو الهجرة الجماعية: «إذا استمر الوضع على حاله». ويقول: «الاساتذة يعانون نتيجة الوضع الإقتصادي، وخصوصاً بعد دعوة الوزير للعودة الى التعليم المدمج في ظلّ عدم توافر مادة البنزين، التي وان توفّرت، فهي تُباع في بعض المحافظات بأسعار تفوق سعرها الطبيعي وتصل في بعض الاحيان الى 50 و60 ألف ليرة للصفيحة الواحدة. فكيف سيتمكن الأستاذ من الذهاب الى مدرسته براتب فقد قيمته الشرائية، وهذه مشكلة حقيقية وقائمة ويعانيها الأساتذة».

 

وعن ظاهرة السفر الى الخارج، يقول جباوي: «هذه الظاهرة لم تتفاقم لدينا بعد كما في القطاع الصحي مثلاً، لأنّ الأستاذ مرتبط بوظيفة رسمية ولا يزال يأمل بإيجاد حلّ لما نمرّ به اليوم، ولكن الأكيد أن الجميع بات «قرفان ويئسان»، وكلّ معلم أو معلمة لن يتأخر بالهجرة في حال حصوله على فرصة لتحسين وضعه المالي في ظل الوضع الذي نعيشه اليوم».

 

جباوي يذكّر بالمصاريف التي يتكبدها الاستاذ باعتماد التعليم عن بعد «كالكهرباء والانترنت، لينقل المعلومة الى التلميذ ليصبح قادراً على إنجاز امتحاناته»، ويحذّر في الوقت نفسه من وضع الاستاذ النفسي الذي قد يفقد قدرة الاحتمال في حال استمر الوضع على ما هو عليه!».