تصعّب هيئة التنسيق النقابية الأمور، عندما تقرر بعد سبات طويل، التحرك على الأرض من خلال إضراب المعلمين في المدارس الرسمية والخاصة والموظفين في الإدارات العامة. ذلك أن التحرك المؤثر والفاعل يحتاج الى تراكم وسياسات تحفّز قاعدة المعلمين من خارج التأثير السياسي المباشر للقوى السياسية والطائفية المشاركة في الحكم. لذا، قد يمر الإضراب المقرر اليوم مع الاعتصامات من دون ان يتنبه أحد الى وجود مطالب مزمنة وحقوق تاريخية يجري التفريط بها، بسبب تراجع الثقة بدور الهيئة ومكوناتها، وعدم قدرتها على مد جسور جديدة مع الأهالي والتلامذة، بعد مقاطعة التصحيح ونكسة الإفادات قبل سنتين، وما تلاها من تغييرات في بنية الهيئة وتركيب مكوناتها، علماً أن الإضراب يبقى وسيلة ديموقراطية ضاغطة لتحصيل الحقوق ونيل المطالب.
نفهم من قرار الإضراب أن هيئة التنسيق تريد أن تقول إنها موجودة ولديها مطالب، أبرزها سلسلة الرواتب التي تسعى لإقرارها، وهي تعرف أن هذا المطلب لن يتحقق في ظل تعطّل عمل المؤسسات والفراغ في بعضها، أي رئاسة الجمهورية، وعدم قدرة مجلس النواب على التشريع، وبالتالي فإن هذا التحرك لن يقدم ولن يؤخر في المعادلات الراهنة، طالما أن هيئة التنسيق ذاتها تعتبر أن لقاء المسؤولين والاتصالات التي تقوم بها قد تكون أكثر فعالية من التحرك ذاته، ولذا تراهن دائماً على نتائج الاتصالات، فإذا فشلت تتحرك على الأرض، وإذا كانت هناك وعود فيتم المراهنة عليها، باعتبار أن مكونات هيئة التنسيق أو معظمها على الأقل تعكس الاصطفافات السياسية في الحكم، ولا تستطيع الهيئة الهروب من هذا الواقع.
ولعل النقطة الأهم، تتمثل في أن الرأي العام شعر خلال العامين الماضيين أن هيئة التنسيق لا روح لها، وكأنها ميتة، بعد الانتكاسات التي تعرضت لها والتغييرات التي شملت تركيبها، وهي أعطت للناس أمثلة حية على هذا الموت السريري، حين كانت تقرر إضراباً عبر مؤتمر صحافي ثم تتراجع عنه بعد أيام، ما يعكس حجم الخلل في بنيتها، وعدم القدرة على اتخاذ قرار، ولا الى إعادة تقويم لدورها ووظيفتها النقابيين، بهدف نهوضها مجدداً وفتح صفحة جديدة مع الأهالي والتلامذة والرأي العام لمراكمة رصيد جديد وتجاوز الاخفاقات، وهذا لا يتحقق إلا بوضع الجسم النقابي على مشرحة النقد، وحساب الخسائر والأرباح وقياس الجدوى من أي تحرك، واستطراداً إعادة النظر بالشعارات التي أدت الى الانتكاسات، والممارسات التي أوقعت هيئة التنسيق في فخ تلبّس دور أكبر من حجمها، يتجاوز المعلمين والموظفين، الى طرح تغيير النظام وتقديم نفسها بديلاً عن السلطة. واقع هيئة التنسيق اليوم لا يبشر بخير، وهي لا تقدم أي جديد باستثناء التأكيد انها موجودة. لكن غيرها يستطيع تأكيد ذلك أيضاً!