IMLebanon

فريق عمل أشرف ريفي: أنا

تحول اللواء أشرف ريفي من شخصية أمنية إلى حالة سياسية، دون أن يتنبه أي من خصومه لذلك. توهموا أنهم قادرون بمجرد توافقهم على حسم الإنتخابات البلدية، فوصل ريفي إلى طرابلس على حصان المناطق الشعبية، حاملاً لواء «ثورة الأرز» ومحاربة «المشروع الفارسي» وسلاح حزب الله «اللاشرعي». استفاد وزير العدل المستقيل من شخصيته الشعبية الناتجة من تربيته في منطقة القبّة المتواضعة. هو «ابن البلد» الذي يعرف كيف يُدغدغ أهواء الأحياء الفقيرة. خطط ريفي لمعركة البلدية، وضعها معه عدد من الأفراد الذين يؤلفون «الفريق التنفيذي»، فقط. أما «عقل» هذا الفريق فليس سوى اللواء المتقاعد

تلميذ الضابط في المدرسة الحربية أشرف ريفي، ابن الـ17 عاماً، تحدى نفسه وقائد الكلية الحربية عام 1973. حارس مرمى فريق الحربيّة نجح في صدّ كرة جزاء فريق الجامعة الأميركية.

أهدى فريقه النصر، فأُعفي من الحجز طيلة سنوات دورته الثلاث. بعد 43 عاماً، وقف وزير العدل المستقيل أشرف ريفي من جديد أمام الشباك: إمّا أن يصدّ ضربة جزاء موجهة ضدّه من تيار المستقبل وبمساندة ستّ قوى سياسية أخرى، فيُنصّب نفسه «كابتن» مدينة طرابلس، وإمّا يُطيحه تحالف «الضمّ والفرز» (المنطقة الحديثة في طرابلس التي يعيش فيها الميسورون)، فيُشهر البطاقة الحمراء بوجه نفسه. الإحصاءات التي كان يُجريها مدير مركز «الرأي اللبناني» جوني نحاس لمصلحة ريفي كانت تُشير إلى أنّ خرق مرشحين من لائحة «قرار طرابلس» للائحة «لِطرابلس» مؤكد، إنما من دون أن يتوقع أحد هذه النتيجة. وحده «الجنرال المدني» حسمها ليل السبت، عشية الإنتخابات. ردّ على سؤال ابنه كريم، الآتي من فرنسا: «إما نفوز بكامل الأعضاء أو نُخرق بـ4 أعضاء». صدقت توقعات اللواء إلى حد ما، ووأد مُخطط تدميره على يد «القوى العظمى» في مهده. بات ريفي ظاهرة طرابلسية في مرحلة الصعود. واقع أكدته الإنتخابات البلدية ولكن مرحلة الإعداد له بدأت منذ أن كان ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. لكن بخلاف ما هو قائم اليوم، كان ريفي في المديرية «رأس جسر» التواصل بين الحريري وحزب الله، حتى في ذروة التصعيد السياسي والامني بين تيار المستقبل والحزب. وبعد خروجه من المديرية، أحرق الجسور، وقرر اداء دور رأس الحربة في مواجهة حزب الله و«المشروع الإيراني» بعدما أُجبر الرئيس سعد الحريري على عقد التسويات، فظهر ريفي «ممانعاً» أمام محاولة «فتح طرابلس». إلا أنه لم يكن وحده صانع النصر الانتخابي. فقبل أن تتحول «قرار طرابلس» إلى لائحة أشرف ريفي، كانت هذه اللائحة تجّمع «المنكوبين» الذين لفظهم التحالف بعيداً تحت حجة عدم اختيار أعضاء سابقين للبلدية. أحمد المرج، أحمد قمر الدين، رياض يمق، خالد التدمري، توفيق العتر، جميل جبلاوي… هم عناصر جمعهم ريفي وخاض المعركة باسمهم ولو أنّ قسماً منهم لا يواليه في الأصل. هؤلاء هم أبناء المناطق الطرابلسية التي تمثّل رافعة كلّ القوى السياسية. يعرفهم اللواء جيداً، فمن رحمهم تكوّن. هو «العصامي الذي بنى نفسه بنفسه»، يقول عارفو ريفي عنه. أما هو فيُعرّف عن نفسه: «أنا ربيان في القبّة مطرح ما كنا نلعب الفوتبول». بنى شعبيته حجرا حجرا، تماماً كما أدراج المناطق الشعبية التي تربط الأحياء المتصارعة بعضها ببعض. عصب جبينه بمقولة والده «إياك وقاتل الرجال»، أي الغرور. فأصبح التواضع أول ما يخطر على بال كلّ من يُسأل عن ريفي.

أسس ريفي كياناً رديفاً

خارج القانون، خدمةً لمصالحه السياسية

«أبو أشرف» كان مسؤول الحزب التقدمي الإشتراكي في طرابلس وصاحب مطحنة على نهر أبو علي. «كانت مركزاً للتجمع ضدّ سياسة آل كرامي»، يُخبر ريفي لـ«الأخبار». البعض يُشبّه الحالة التي كوّنها بحالة نائب طرابلس «الثائر» عبد المجيد الرافعي، الذي تمكن عام 1972 من الحصول على أعلى نسبة من الأصوات في الإنتخابات النيابية خارقاً لائحة الرئيس الراحل رشيد كرامي. «فيها شي صحّ. أصلاً أخي الذي توفي صغيراً سُمي عبد المجيد تيمناً بالنائب الرافعي». ليس فقط واحداً من هؤلاء «الدراويش»، بل راعيهم الرسمي. يُخبرون عن «أشرف» الذي «فرش بيتي وكان يدفع حقّ المفروشات بالتقسيط. سنة الـ2000 ما كان معو مصاري». الفتاة التي أمن لها الرعاية الصحية لعمليات وجهها بعد احتراقه، كانت حاضرة لاستقباله في القبّة قبل الإنتخابات البلدية. هو «ملك العلاقات العامة الذي يعرف كيف يقتنص الفرص، لكن هذه النزوة لا تؤسس لزعامة»، إستناداً إلى أحد رفاق دورته. ريفي هو من المسؤولين القليلين الذين يردون على كل الاتصالات التي تردهم، «حتى الذين لم أكن قادراً على خدمتهم». يحفظ أصواتهم، من بائع الكعك وصولاً إلى أكبر مسؤول، «وحين لا أقدر أن أرد بسبب التعب، أحرص على إعادة الإتصال».

لكن لأفعال ريفي «الخيرية» وجه آخر. في عام 2013، رأى أنّ قادة المحاور هم «أبناء المدينة التي يُدافعون عنها ونحن نفخر بأولادنا على المحاور»، قبل أن ينفض يديه منهم «ويزج بعضهم بالسجن ويحرم آخرين العودة إلى طرابلس». خصومه السياسيون يتحدثون عن تأسيسه لـ«كيان رديف خارج القانون، خدمةً لمصالحه السياسية عبر تقديم الحماية لطالبها». التقديمات التي كان يُقدمها «هي على حساب الدولة بامتياز: إدخال الحاجيات للمساجين في سجن رومية، تغطية مخالفات البناء، التستر على مخالفات الأملاك البحرية». سياسياً، يعترفون له بقدرته على «استرداد وهج 14 آذار من الحريري». ولكنه يُخطئ العنوان بالقول إنه يُمثل نهج الرئيس الراحل رفيق الحريري «الذي كان رمزاً للتسويات والعلاقات من الندّ إلى الندّ مع سوريا». يُدافع وزير العدل المستقيل عن الحريري الأب: «تعاطينا مع سوريا لم يكن من منطلق أننا أداة لها. أنا أعرف ماذا كان الحريري يقول للبطريرك (نصرالله بطرس صفير) وفي مجالسه الخاصة. قلبه كان مع خطّ البريستول حتى قبل أن ينطلق، وحالما سنحت له الفرصة التحق به». أما عن نفسه، فيقول إنه كان يُساعد المناطق الشعبية «اجتماعياً. بالنتيجة، أنا ابن المؤسسات ولا أؤمن بالسلاح غير الشرعي».

الحصار الإعلامي الذي يزعم الوزير أنه فُرض عليه قبل الإنتخابات البلدية، انتهت مفاعيله بعد الفوز. بين مقابلة تلفزيونية وأخرى، يعتذر عن إجراء مقابلة ثالثة. المنزل في بيروت تُزينه اللوحات التي تعكس حُبه للطبيعة. طاولة مليئة بالأوراق والملفات، وآلة رياضية للمشي يستخدمها يوميا عند السابعة صباحاً. الحضور هنا محصور بالرجال، الذين يتوزعون كلّ لمهمة خاصة به. غياب سيدة المنزل، بسبب وجودها الدائم في طرابلس، تُعوضه صورها الكثيرة. المحامية سليمة أديب تُتهم بأنها هي التي ترسم سياسة زوجها. «غير صحيح»، يجيب أعضاء في فريق عمل الوزير، «هي تهتم باستقبال الناس بغيابه. قراره من نفسه». حول هذه النقطة الأخيرة، يُجمع خصوم وحلفاء ريفي: «أشرف هو فريق عمل نفسه.

يسمع كثيراً ولكنه في النهاية يأخذ القرار الذي يراه مناسباً». عدد أفراد فريق العمل التنفيذي الذي ساعد ريفي على ربح المعركة السياسية صغير. مدير المكتب في طرابلس هو الصيدلي رشاد ريفي، أمّا إدارة مكتب الوزارة في بيروت فسُلّمت إلى النقيب محمد الرفاعي، بينما أحمد خوجة الذي كان من الأساسيين في فريق عمل آل كرامي، التحق بريفي ودوره الأساسي «حمام زاجل» بين الوزير والفريق الآخر. القاضي محمد صعب والمحامي هاني المرعبي هما المستشاران القانونيان. أما العميد روبير جبور، رفيق دورة ريفي، فيشغل مركز المستشار الأمني والإداري. العميد فواز متري هو أحد مستشاريه أيضاً. أما الصحافي أسعد بشارة، فهو المستشار الإعلامي والشخص الذي عمل على تطوير «سلاح» وسائل التواصل الإجتماعي لمواجهة «الحصار الإعلامي في الإنتخابات»، تعاونه في المكتب الإعلامي سحر آغا. هذا فضلاً عن قرابة الـ100 «مفتاح» في المناطق الشعبية، يتواصلون مع ريفي على نحو دائم. وينفي ريفي أي دور لشقيق زوجته محمد أديب ونسيبه سعدي أديب في دعمه.

بالاضافة للخطاب السياسي وفريق العمل، يتحدث خصوم ريفي عن ماكينة إنتخابية «سرية» ضخمة كان مركزها في مجمع الميرامار، مُقسمة إلى ماكينات صغيرة. مثلاً: ماكينة الشيخ بلال شعبان عملت لمصلحة الجبلاوي ويمق والتدمري. ماكينة وليد ومعن كرامي دعمت التدمري ويمق. أما الخرق الأبرز لماكينة الرئيس نجيب ميقاتي، فكان بانسحاب وليد قمر الدين منها وتضامنه مع شقيقه، رئيس اللائحة الفائزة، أحمد، ولكن بالنسبة لريفي «ماكينتنا لم تكن ناجحة. أعضاؤها عملوا بصدق، إلا أنه كانت تنقصهم الخبرة الكافية. اكتشفنا أن هذا الشغل بحاجة إلى أشهر». ويكشف عن سلاح آخر استُعمل في المعركة هو «الحرب النفسية التي لا تعني الكذب».

النظام العسكري ينعكس على تفاصيل حياة ريفي. طباعه نظامية، يتكلم بسرعة وحازم. خلافاً لإطلالته الإعلامية ومواقفه «المتطرفة»، يظهر ريفي هادئ الطباع، لائقا في التعامل مع الآخرين. ترتسم ابتسامات بسيطة على ثغره من وقت لآخر، وخاصة حين يعترف: «أتشدد حتى أشد العصب».

نجح ريفي في «غشّ» زعماء لائحة التوافق الذين سكِروا بقدراتهم التي تبين أنّها هشّة. ارتباط اسمه برفيق الحريري وظهوره كحامي «ثورة الأرز»، مقابل تنازلات الحريري الذي يريد استعادة سلطة فلتت من بين يديه، إضافة إلى شخصيته الشعبوية، عوامل ساهمت في بلورة «حالة أشرف ريفي». العيون تشخص إليه حالياً وهو يخضع للإختبار الأصعب. أمامه فرصة تدعيم ركائزه وتمكين تحالفه مع قادة المناطق الشعبية. تحوله إلى زعيم بحاجة أيضاً إلى دعم سعودي، لكن تلكؤ ريفي لن يمنع أبناء البلد من تلقينه درساً تماماً كما فعلوا مع «ابن الشهيد». لا يزال ريفي متواضعاً: «أنا لست زعيماً. أنا حامل قضية وأعيش قضيتي».