كان من الطبيعي ان تتسابق روسيا مع تركيا لإلقاء مياه باردة على حطام مقاتلة “السوخوي – ٢٤”، وربما على ما هو أهم، أي على عنجهية فلاديمير بوتين، الذي كان قد أعلن انه سينهي حربه على الإرهاب في سوريا خلال أربعة أشهر، وها هو بعد شهرين لا يراوح مكانه تقريباً، بل يقف على حافة حرب أوسع وأخطر مع جارته تركيا وربما حلف شمال الأطلسي!
هكذا لم يكن غريباً ان يسارع سيرغي لافروف الى الإعلان “ان روسيا لن تعلن الحرب على تركيا”، أما باقي الإتهامات فمن مستلزمات ما يلزم. ولم يكن غريباً ايضاً أن يطيِّر رجب طيب اردوغان كلاماً طيباً الى موسكو، فيعلن هو ورئيس حكومته وكأنهما جوقة محبة، ان ليست لدى تركيا نية لتوتير العلاقات والتصعيد مع روسيا “لأنها دولة صديقة وجارة لنا، وان الدول الكبرى لا تضحي بعلاقاتها من أجل حوادث تقنية”؟
في النهاية يمكن ان يقفل الملف على كلمتين “حادث تقني”، وبقبول ورضى فلاديمير بوتين، على رغم قوله الغاضب والمفهوم جداً في بداية الأمر: “انها طعنة في الظهر وستكون لها عواقب وخيمة”، ولكن هل هذا يعني ان النيران المندلعة الآن تحديداً في جبل التركمان على الحدود بين سوريا وتركيا يمكن ان تخبو او تتراجع؟
لا، هذه النار، وإن لم تتحول حرباً واسعة تتعدى الحدود، ستتصاعد وتبقى في الميدان السوري على رغم التقاطعات الإقليمية والدولية، لأنها هي التي تستطيع ان تحسم وضع النظام عبر حسم موضوع المنطقة الآمنة التي طال الحديث عنها، فبغض النظر عن كل ما سيقال حول إسقاط طائرة “السوخوي” والمسؤولية عن “الحادث التقني”، فإن موضوع هذه المنطقة يظل ماثلاً في خلفية هذا الحادث!
عندما وصل بوتين الى أنقرة لحضور قمة العشرين الكبار عشية سقوط الطائرة الثلثاء الماضي لقي من أردوغان استقبالاً حاراً، لاحظ المراقبون انه يتناقض مع الشكوى التركية المتزايدة من ان عمليات القصف الروسي في منطقة باير بوجاق في جبل الأكراد، أدّت الى نزوح كثيف للعائلات التركمانية الى داخل تركيا، ثم سرت فى أروقة القمة تصريحات منسوبة الى مصادر حكومية تركية، تحدثت عن ان قيام “المنطقة الآمنة” سيتم في غضون اسبوع، وعن ان فرنسا بعد أحداث باريس تؤيدها وان واشنطن التي طالما عارضتها باتت تقبل بها وربما ساهمت في إقامة حظر طيران لإقامتها.
على خلفية كل هذا جاء “الحادث التقني” تعبيراً ضمنياً صارخاً وبالنار الحية عن صراع استراتيجي يمكن ان يقرر ليس مصير الأسد فحسب، بل نتائج الرهان الروسي والإيراني على مستقبلٍ مريح لمصالحهما في سوريا، لهذا يستطيع أبو بكر البغدادي ان يطمئنّ لأن الصراع يجري بعيداً من كهوفه!