بدأ الحديث منذ الآن عن إمكانية تأجيل الإنتخابات النيابية المتوقّع أن تُجرى في أيار من العام المقبل، وعن «تمديد رابع» للمجلس النيابي نفسه، علماً أنّ «التمديد الثالث» وُصف بالتقني وذلك بهدف إجراء الإنتخابات وفق البطاقة الممغنطة التي من شأنها إدخال لبنان في عملية الإصلاح الإنتخابي إذ تمنع أي إمكانية للغش. وقد وافق المعترضون على هذا التمديد، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي رفع لاءاته الثلاث: لا للتأجيل، لا للتمديد، لا للفراغ في وجه الطامحين في البقاء على مقاعدهم، من أجل إنقاذ البلاد من هاجس الفراغ وشلّ عمل المؤسسات.
غير أنّ ذريعة الحاجة الى أشهر للحصول على البطاقة الممغنطة سقطت فور إقرار القانون الجديد للانتخاب على أساس النسبية وفق 15 دائرة، عندما أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عن هذا الأمر، مشيراً الى استحالة إنجازها أيضاً نظراً للموازنة الخاصة لها والتي لا يُمكن للبنان أن يتكبّدها. وهذه الذريعة التي سقطت تلقائياً، لم تُسقط المجلس الممدّد له، حتى قيل أنّه بإمكان الداخلية دعوة المرشحين للانتخابات فور جهوزيتها وقبل الموعد الذي تقرّر في أيار المقبل.
لكن يبدو أنّ أي طرف ليس جاهزاً بعد، على ما أكّدت أوساط سياسية متابعة، خصوصاً وأنّه جرى الحديث عن تعديلات مواد عدّة في القانون الجديد حتى قبل تجربته ولو لدورة واحدة، وتتمحور هذه الأخيرة حول البطاقة الممغنطة والانتخاب في أماكن السكن فضلاً عن التسجيل المسبق، علماً أنّ الجميع مع إجراء هذه العملية في موعدها. ولعلّ عدم قبول رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بأي تمديد جديد للمجلس، ولو لساعة واحدة، محذّراً من «أنّ البلد سيطير وسيحصل إنقلاب إذا ما حلم أحد بالتمديد»، هو الذي سيُشجّع جميع القوى السياسية على الإنكباب على وضع التعديلات المطلوبة، والناخبين على تحضير أنفسهم للانتخاب.
أمّا التسجيل المسبق للراغبين بالانتخاب خارج مناطقهم الذي خلق مشكلة جديدة بين القوى السياسية، فتجد أنّه كان يجب تلافيه منذ البداية عند وضع قانون الانتخاب تفادياً لعدم اقتراع أي ناخب مرتين. فاللبنانيون معروفون بأنّهم يتركون كلّ شيء حتى اللحظة الأخيرة، بمن فيهم السياسيون، ولهذا قد يصعب ضبط هذه العملية، ما لم يتمّ إقرارها في القانون كبند ضروري وأساسي لكي لا تطير الانتخابات برمّتها مجدّداً.
علماً أنّ التسجيل المسبق الذي تتبنّاه بعض الأحزاب السياسية من شأنه معرفة عدد الذين يرغبون في الإقبال على الإنتخاب، وتسهيل العملية الإنتخابية ومساعدة وزارة الداخلية والبلديات في عدم هدر الأموال على طباعة اللوائح في أماكن مختلفة وغير ذلك. غير أنّه لا يُمكن للأحزاب معرفة الى من سينتخب المقترعون وفق القانون الجديد الذي يعتمد النسبية للمرة الأولى في لبنان.
وفي الوقت نفسه، تخشى الأوساط نفسها من «الشيطان الذي يكمن دائماً في التفاصيل»، كأن يؤدّي الشروع في التعديلات الى التأخير في الإتفاق عليها جميعها قبل موعد الانتخاب المقرّر، ما يتسبّب بتأجيل الانتخابات مرة جديدة. ولهذا تقول إنّه على القوى السياسية أن تقوم بما هو ملحّ من هذه التعديلات لكي لا تُعطّل الانتخابات لحجج أخرى، على غرار ما حصل مع البطاقة الممغنطة التي منّوا اللبنانيون بها.
واستبعدت الاوساط، أن يُصار الى تقريب موعد الانتخابات النيابية لبضعة أشهر مع سقوط حجّة إصدار البطاقة الممغنطة، لا سيما وأنّ الداخلية تنتظر إقرار التعديلات على القانون أولاً قبل دعوة الهيئات الناخبة، وتحتاج أيضاً الى تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات بعد ذلك. علماً أنّه في حال لم يتمّ الاتفاق على كلّ المواد التي تحتاج لتعديل، فإنّ قانون الانتخاب سيحتاج في الدورة الانتخابية التالية إمّا لتعديل كبير أو للاتفاق على صيغة أخرى مناسبة أكثر.
وتقول الاوساط بأنّه إذا أقرّت التعديلات وحصلت الإنتخابات في موعدها المقرّر، فإنّ هذا يُسجّل كخطوة جيدة جدّاً بالنسبة لحكومة الرئيس سعد الحريري المهدّدة حالياً بالإنقسام ومنه الى الإستقالة نظراً للخلافات الدائرة بين القوى السياسية داخلها بعد معارك الإنتصار على التنظيمات التكفيرية وتطهير البلاد من الإرهابيين. وقد شكّلت مسألة ترك الإرهابيين مع عائلاتهم يخرجون بسلام من ساحات المعارك في الجرود الى سوريا، نقمة لدى أهالي العسكريين الذين أعيدوا جثثاً الى ذويهم بدلاً من أن يكونوا على قيد الحياة، وأن تعمل الدولة على سلامتهم وحماية حياتهم.
غير أنّ الإنقسام داخل الحكومة سوف يُلملم، على ما شدّدت الأوساط نفسها، خصوصاً مع دخول إسرائيل على خط التصعيد من خلال الإنتهاكات المتمادية لسيادة لبنان، ولا سيما الخروقات الجوية وقصف الطائرات الإسرائيلية من الأجواء اللبنانية الأراضي السورية، في مقابل تأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأنّ «لبنان مصمّم على عدم السماح بأي انتهاك لسيادته». ولهذا فإنّ الوحدة الوطنية هي المطلوبة في هذه المرحلة لكي لا تتمادى إسرائيل وتذهب الى شنّ حرب جديدة على لبنان تُقحم فيها الجيش اللبناني هذه المرة وليس فقط «حزب الله» الذي تعتبر أنّه يُهدّد وجودها بشكل مستمر من خلال امتلاكه ترسانة الصواريخ المتطوّرة.
وألمحت الاوساط الى ما غمزت به إسرائيل أخيراً عندما ذكرت بأنّ عناصر للجيش اللبناني كانوا بزي عناصر «حزب الله» في الجنوب، في محاولة مسبقة منها للدخول في صراع مع الجيش اللبناني لا سيما إذا ما فكّر في مساعدة الحزب في الجنوب، على غرار ما حصل من تنسيق بينهما في معارك الجرود الحدودية مع سوريا، غير أنّ مثل هذا الأمر لا ينطلي على لبنان الذي يُدرك تماماً نوايا الجانب الإسرائيلي وحججه الواهية لشنّ حرب جديدة عليه متى بات مستعدّاً لها.