لم تهضم بعض القوى السياسية بعد كيف نجح الرئيس سعد الحريري في تحييد نفسه عن نيران الشارع الحارقة. لا تزال هذه الأطراف تبحث في ثنايا الانتفاضة الشعبية، ومتاهاتها التي قد تخبّئ ألغازاً وأسراراً لم تفك أحجيتها بعد، عن إجابات شافية حول أدوار خفيّة لجهات مجهولة، تمكنت من حرف انتفاضة اندلعت بسبب نقطة الـ20 سنتاً، ارتكب “معصيتها” وزير من حصة “تيار المستقبل” في الحكومة، وإذ برئيس التيار يتحول بين ليلة وضحاها من “مطلوب” إلى “بطل”.
لا تزال هواجس الخشية من سيناريو “انقلابي مخملي”، تخيّم على أذهان مسؤولين في “التيار الوطني الحر” يعتقدون أنّ استقالة الحكومة ليست إلا خطوة أولى في مسار طويل قد لا ينتهي عند أبواب مجلس الوزراء. ولذا لم يستوعبوا بعد كيف يمكن لشارع منتفض أسقط حكومةً، بشخص رئيسها، فيعود الأخير إلى رئاسة الحكومة الانقاذية وكأنّ شيئاً لم يكن.
ولهذا يعتقد هؤلاء أنّ التأخير في تحديد موعد الاستشارات النيابية هو من باب ضمان تأليف حكومة تلقى أصداء إيجابية في الشارع، ويُنتظر منها أن تسدد هدفاً في مرمى الاعتراض الشعبي منعاً لتفلت الأمور أكثر. ويقولون إنّ القوى السياسية تحاذر الإقدام على أي دعسة ناقصة من شأنها أن تفجّر بركان الشارع وتطيح ببقية المؤسسات الدستورية، ولذا لا بدّ للحكومة الجديدة أن تحمي الانتظام العام من خلال إرساء الهدوء في الشارع، وإلا فإنّ تهمة تسييس الحراك ستكون في محلها.
في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة على موقف “حزب الله” أنّ مختلف القوى السياسية تبدي حرصها على استعادة الاستقرار، وقد لمس “الحزب” هذا الحرص من مختلف القوى السياسية للوصول إلى تفاهم يبعد شبح الانهيار عن البلاد، وذلك بعد تقديم تنازلات متبادلة.
حتى اللحظة، لم يشطب مسؤولون عونيون احتمال وجود أجندة سياسية خفية تقود الحراك الشعبي ويتخوفون من ترك الحكومة الجديدة في مهبّ تطورات سياسية دقيقة قد تواجه السلطة التنفيذية. ومع ذلك، يشيرون إلى أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل اقترح على الحريري تأليف حكومة من التكنوقراط تتولى قيادة المرحلة المقبلة على دقّتها، عبر وجوه متخصصة تترك ارتياحاً أمام الرأي العام.
وفق المطلعين، فإنّ رئيس الحكومة المستقيلة، الذي سبق أن نُقل عنه معارضته تسمية شخص آخر لرئاسة الحكومة حتى لو كان من فريقه السياسي، بات لا يمانع اليوم إسناد الحكومة إلى شخص يسميه في حال تمّ التفاهم على خيار الحكومة “غير السياسية”.
إلّا أنّ “حزب الله” يرفض وفق المطلعين، هذا الخيار مفضّلاً تأليف حكومة تكنو – سياسية تجمع بين “القماشتين”، وذلك بهدف عدم استبعاده من الحكومة كلياً ليس لشيء وإنما فقط لرمزية مشاركته في الحكومة رفضاً للإملاءات الأميركية التي تحاول وضع فيتو على جلوسه على طاولة مجلس الوزراء. ولو أنّ بعض المطلعين على موقفه يجزمون أنّ الهدف من التطعيم هو ضمان بقاء المقاعد السيادية تحت السيطرة السياسية.
وفي هذا السياق يتردد أنّ الحريري لا يمانع أيضاً أن تكون الحكومة ذات وجهين، سياسي وتكنوقراطي، شرط أن لا تضم وجوهاً غير مقبولة شعبياً. ويشير المطلعون إلى أنّ رئيس الحكومة يحاول الحصول على ضوء أخضر من باسيل يؤكد فيه عدم ممانعته العودة إلى الحكومة لكي يوضع قطار التكليف على سكّته. إذ يخشى الحريري أن تجرّ عودة رئيس “التيار الوطني” إلى الحكومة، وزراء آخرين غير مقبولين من الشارع. وفي حال رسا خيار الحكومة المختلطة، يتحدث بعض الأطراف عن احتمال حصول مداورة في الحقائب السيادية بغية فرض التغيير في الوجوه الوزارية.
في المقابل، يؤكد المطلعون أنّ كل القوى السياسية باتت مقتنعة بضرورة ضمّ الحراك الشعبي إلى الحكومة من دون أن يعني أنّ تسمية وزراء يمثلون الانتفاضة الشعبية، ستؤدي حكماً إلى هدوء الشارع وعودة قيادييه إلى منازلهم. لكن الظروف باتت تفرض هذه الشراكة حتى لو أنها غير مضمونة المفاعيل. وبالتوازي مع مشاورات التأليف التي تسبق للمرة الأولى مشاورات التكليف، ثمة ورشة متخصصة انتظمت بين القوى السياسية تهدف إلى تنقيح الورقة الاصلاحية التي أقرتها الحكومة المستقيلة، وتطويرها لكي تكون بمثابة خريطة طريق الحكومة المقبلة وفق جدول زمني محدد ويُراد منها أن تشكل صدمة إيجابية للشارع لترميم جسر الثقة المقطوع.