مع انطلاق استشارات تشكيل الحكومة، وازدياد الآمال المعقودة على الحكم الجديد برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وارتفاع منسوب التوقعات بإمكانية بناء دولة القانون والمؤسسات التي تحدّث عنها الرئيس في خطاب القَسَم، يقول الوزير السابق البروفسور ابراهيم نجّار لـ “الديار”، أن “لبنان اليوم انتقل من مقلب إلى آخر، واليوم أصبح مع الدول الغربية والخليجية، ومما لا شك فيه أن هذه العملية كانت حاسمة، فعلى الصعيد الإستراتيجي لبنان عاد إلى أصالته وتاريخه وتراثه وأعرافه وتطلّعاته، لأنه أضحى جسراً للحريات والثقافة وإعادة الإعمار وإعادة بناء الدولة، والديمقراطية الفذّة في هذا الشرق المعذّب”.
وحول الحكومة المناسبة التي يجب تشكيلها في هذه المرحلة، سياسية أم تكنوقراط، يبدي اعتقاده بأن “المرحلة تتطلّب حكومة تكنوقراط، من أجل عدم الدخول في المحاصصات، وفي العمليات الحسابية الضيقة، لأنه إذا كان سيتم اعتماد وزارة لكل خمسة نواب أو لكل كتلة نيابية، أو التوقف عند ما يسمى الميثاقية من أجل تأخير تشكيل الحكومة، نكون قد عدنا إلى الوراء، فنحن اليوم في مرحلة انتقالية أولية، ويجب أن نجعل لكل وزارة كفاءة، وليس لكل زعيم وزارة”.
وعما إذا كانت جلسة التكليف الأخيرة ميثاقية، يرى أن “ما يسمى بالميثاقية هي بدعة بدأت في عهد الرئيس ميشال عون، وهذا ليس خافياً على أحد، وهي كانت ترمي إلى القول بأن مكوّناً من المكوّنات اللبنانية يجب أن لا يُهمَل، وبالتحديد قضية تمثيل “التيار الوطني الحر” في مجلس الوزراء في ذلك الوقت، وكان الهدف من التذرّع بالميثاقية هو الحصول على الثلث المعطِّل في العمل الوزاري، ولكن هذا الأمر لم يعد وارداً اليوم”.
ويضيف “إن المفهوم الحجري لكلمة ميثاقية قد أصبح بالياً، ولا يمكن الإعتداد به بأي شكل من الأشكال، وفي الأساس لا يمكن أن تعني الميثاقية ديكتاتورية الأقلية، وبعبارة أخرى، فقد كنت من الذين لهم اليد الطولى في وضع الأسس لما يسمى بالثلث الضامن في الدستور، لأن المسيحيين كانوا يعتبرون أنفسهم في الماضي محكومين من رئيس الحكومة غير المسيحي، لذلك اضطررنا لجعل جزء من مجلس الوزراء، وعدداً ضامناً من الوزراء، واخترعنا عندها ما يسمى بالأقلّية التي يمكن أن تضمن حقوق المسيحيين، وهذه هي في المواد ألـ 14 التي ينص عليها الدستور في المادة 56، ولكن مع الوقت تطوّرت مسألة الثلث الضامن، وأصبحت ثلثاً معطّلاً، ثم تطوّر أكثر فأكثر ليصبح مطيّة للحديث بالميثاقية، بمعنى أن البعض اشترط بأن عدم حصوله على ثلث مجلس الوزراء لن يوافق على الحكومة، وهذا ما أدّى فيما بعد إلى تعطيل الدولة، وذلك بعدما انتقلنا من مرحلة الثلث الضامن إلى مرحلة ديكتاتورية الثلث المعطِّل، وهذا ما يسمى في القانون الأقلية توقف القرارات الصادرة عن الأكثرية”، وهذا ما يجب أخذه بالإعتبار اليوم، أنه لم يعد ممكناً التسليم للثلث أو غير الثلث من مكوّنات مجلس الوزراء بتعطيل العمل الحكومي، ولا يجوز لأي طرف بأن يملكها، لذلك فإننا نتجّه اليوم باتجاه حسن النية في التعاطي بالشأن العام”.
وحول الملفات التي يجب أن ينطلق بها العمل الحكومي، يؤكد نجار أن “ما ورد في خطاب القَسَم مهم جداً، وأضيف إليه مسألة مرفأ بيروت وبرمجة عودة الودائع للمودعين، والتي هي ممكنة، خصوصاً بعد ما سمعناه عن أن سندات الخزينة اللبنانية قد ارتفعت بنسبة 35% من قيمتها، وهو تطوّر غير مسبوق، بعدما كانت انخفضت منذ أيام حسان دياب إلى ما دون العشرة بالمئة، وهذا مؤشِّر واعد بما يمكن أن ينتجه الشعب اللبناني من قدرات وإبداع في تلقّف الأزمات المتعدّدة، لأن لبنان قد أثبت أنه بلد عظيم ويعرف كيف ينتظر الساعة ويتحيّن الأوقات المناسبة من أجل النهوض والعودة إلى الحياة”.