Site icon IMLebanon

التكنولوجيا والمساواة المطلوبة

 

التقدم التكنولوجي، وآخره الذكاء الاصطناعي، مهم جدا لتطور المجتمعات لأنه مع الوقت يرفع مستوى المعيشة كما القدرة على التجدد النوعي وبالتالي الازدهار المجتمعي.  يحاول المجتمع الدولي اليوم الحد من التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على دور الانسان واستمراريته كما على قدرته على العطائين الفكري والمادي.  لكن الأهم وما يميز أكثر المجتمعات المتطورة هي الحقوق أو القوانين التي تحمي الأقليات وتعطيهم كل الفرص أهمها الاقتصادية خاصة للنساء والأطفال والمسنين.  ما زالت هنالك مجتمعات عديدة في منطقتنا وخارجه تسلب تلك الحقوق دون وجه حق طبعا، وهذا في غاية السؤ والتأخر والظلم.  تشير كل الدراسات خاصة تلك الصادرة عن البنك الدولي الى أن مساهمة كل أقسام المجتمع في الانتاج وخاصة النساء ترفع نسبة النمو كثيرا وعاليا.

مع تراكم التحديات المعيشية والأمنية، تغيب عن ذهننا أحيانا أهمية التركيبة الديموغرافية داخل الدول وتأثيرها الكبير على النمو والازدهار.  في زمن الحروب في أوكرانيا وغزة وغيرها، ما يهم الانسان هو انقاذ البشر والأطفال والحفاظ على ما تبقى من بنية تحتية.  لكن التفكير على المدى البعيد يبقى مهما وضروريا لاستمرارية المجتمعات.  من الأمور الأساسية المؤثرة على مسقبل الدول هي التركيبة الديموغرافية الداخلية التي تؤثر على استمرارية المجتمعات وعلى عدد اليد العاملة كما على توافر التمويل لكل الخدمات الاجتماعية الأساسية.  اذا أغفلنا التفكير في هذه الأمور اليوم، فلن تختفي بل تصبح أكثر دقة مع الوقت.  تشير الاحصائيات عالميا الى ولادة أعداد ذكور أكثر من الاناث، أي 1,05 مقابل أنثى واحدة وهذا يمكن أن يخلق مشاكل خاصة اذا أراد الجميع تكوين عائلات.  تختلف أرقام توزع الولادات بين دولة وأخرى وهذا طبيعي، كما أن هنالك مجتمعات معينة تفضل جنس على آخر وبالتالي تحاول طبيا وعلميا التأثير على التوزع الجنسي داخل المجتمعات.

 

من الاحصائيات المهمة اليوم هو أن عدد المتخرجين من الجامعات هم أكثريتهم من النساء وهذا تحول بدأنا نشهده في منطقتنا العربية علما أن الاحصائيات تختلف كثيرا من دولة الى أخرى.  في الولايات المتحدة مثلا، هنالك 4 متخرجات من الجامعات مقبل 3 من الذكور، مما يضيف الى مشاكل التعارف بين الجنسين.  في عدد الطلاب في الجامعات الأميركية، هنالك 57% من الأناث وهذا اتجاه عالمي نشاهده أكثر فأكثر وله دلالات كبيرة.  واقعيا تتوجه النساء أكثر فأكثر الى كل القطاعات والى منافسة الرجال بجدارة ونجاح حتى في العلوم والطب وكافة التخصصات التي كانت محصورة عمليا منذ زمن غير بعيد في الشباب كالهندسة مثلا.  في بعض كليات الهندسة اليوم، عدد الطالبات يمكن أن يتفوق على عدد الطلاب دون أن نهمل النوعية التي تتميزن بها في مختلف الحقول.  من ناحية أخرى، هذا يشغل بال المتخرجة من ناحية عدم توافر الشاب المناسب المتمتع بمستوى العلم نفسه.

 

ما الذي يدفع النساء أكثر فأكثر نحو كل المهن التي كانت محصورة خطأ وتاريخيا في الرجال. لا شك أن تطور الثقافة والتعليم ساهما كثيرا في فتح أبواب كل المهن أمام السيدات. أهدافهن تغيرت أو تعدلت باتجاه تحقيق النجاح المهني والمعيشي كما نحو العيش بحرية واستقلالية عبر تحقيق الذات والتطور مهنيا واجتماعيا والنجاح ماليا.  ما الذي دفع نحو هذا التغيير الأساسي في توازن المجتمعات وتغيير هيكلية سوق العمل؟  هل تحققت المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في أسواق العمل؟

أولا: سمح تطور الطب بتأخير الانجاب وبالتالي تأخير تأسيس عائلة.  من نتائجه التعلم أكثر ومدة أطول كما تحقيق حياة مهنية طويلة.  سمح تطور الطب والعلوم للسيدات بتنظيم حياتهن تبعا للرغبة والحاجة، كما بتحقيق الانجازات النوعية في كافة الحقول.  تطورت القوانين أيضا لتشجع النساء على العمل كما أن الفرص الشهرية المناسبة التي تعطى لهن بالاضافة الى اجازات الأمومة هي مهمة جدا لها وللمجتمع كافة.

ثانيا:  أعطيت جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 2023 للسيدة «كلوديا غولدن» بسبب البحوث الكبيرة التي قامت بها على مدى عقود بشأن المرأة ودورها وحياتها وحقوقها.  تبين لها أن انخراط المرأة في سوق العمل لم يكن دائما صعودا.  انخفض عدد النساء العاملات مع تطور الاقتصادات من زراعية الى صناعية بسبب ارتفاع انتاجية التكنولوجيا الصناعية وعدم الحاجة الى عدد عمال كبير من الجنسين كما كان الحال في الزراعة.  عادت نسبة النساء العاملات لترتفع مع تغير الثقل الاقتصادي لاحقا من صناعي الى خدماتي وبسبب توافر فرص في السياحة وغيرها تناسب تطلعاتها.  أما العمل من المنزل، فيمكن أن يناسبها خاصة مع وجود أطفالها قربها وهذا ما حصل عالميا في زمن الكورونا.

ثالثا:  تشير الدراسات التي قامت بها السيدة غولدن على مدى عقود أن هنالك فجوة بين ما تتقاضاه السيدات وما يتقضاه الرجال لنفس العمل تقدر ب 33% وهذا كبير وغير عادل.  من أسباب الظلم، كما تقول، أن النساء تتركن العمل بسبب الانجاب لسنوات عدة خلال مسيرتها وبالتالي يسبقها الرجل.  هذا مفهوم من ناحية، لكن من ناحية أخرى هذا ظالم لهن.  لذا تقوم التشريعات الجديدة بتعويض هذا الفارق أو بعضه بسبب الحاجة الى مساهمتهن في النهوض المجتمعي والاقتصادي في كل الظروف.

رابعا:  حماية لدور كافة أطراف المجتمع من ناحية انتاجيتهم في تقديم الأفضل لمجتمعاتهم، هنالك برامج للتنظيم الأسري تريح المجتمعات لكنها تحتاج الى التمويل المفقود خاصة في الدول التي تحتاج كثيرا اليها.  تشير الاحصائيات الى أن كل دولار يستثمر في هذه البرامج يعطي 8 دولارات كعائد اجتماعي اقتصادي.  للاستفادة الى أقصى الحدود من تلك البرامج يجب تقوية النظام الصحي الوطني واعطاء أدوار أكبر لكل أقسام المجتمع وفي مقدمها النساء.