IMLebanon

هل الخيار التوافقي أصبح خيانة..؟

 

مع إطلالة صباح هذا اليوم تكون مضت سنة كاملة على الطوفان الذي ضرب الشرق الأوسط، ولم تقتصر موجاته على البقعة الجغرافية  في المستوطنات شمال غزة، بل إجتاحت تداعياته الشرق الأوسط، وباتت تهدد بحرب إقليمية شاملة.

لم يعد البحث يُجدي إذا كانت حماس أخطأت في حسابات ردة الفعل، وأساءت التقدير لمضاعفات مثل هذا الحدث الذي هزّ الكيان الصهيوني. لأن الهجوم أحدث زلزالاً على المستويات السياسية والعسكرية والشعبية في الدولة العبرية، التي أفاقت على كارثة داخلية، غير مسبوقة، في حجم الإختراقات الأمنية، وحجم الإصابات، فضلاً عن عدد الأسرى الذين إقتادتهم حماس إلى داخل غزة.

كما لم يعد ينفع النقاش حول «حرب الإسناد» التي أعلنها حزب لله في اليوم التالي لطوفان الأقصى، وإدت إلى إندلاع هذه الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد لبنان،

وتداعياتها الدرامية على أكثر من صعيد وطني، بدءاً من الضربات الموجعة التي تلقاها حزب لله، والتي تزداد عنفاً ضد قياداته ورموزه النضالية، وصولاً إلى أعباء النزوح البشري المليوني من مناطق القتال، والدمار الذي أصاب مناطق تواجد الحزب وحاضنته الشعبية.

لقد عمد نتنياهو إلى الهروب  إلى الشمال، من وحول فشله في حرب غزة، بعد سنة على العمليات التدميرية الممنهجة ضد مقومات الحياة البشرية في القطاع، دون أن يتمكن من تحرير الرهائن والوصول إلى قيادة حماس، بهدف إنقاذ ما تبقى من رصيده السياسي المتهالك في الداخل والخارج، وتحسين سمعة حكومته بعد استفحال الخلافات الداخلية بين أطرافها.

إستنفر جيش الإحتلال كل إمكانياته التكنولوجية والقتالية، المدعومة بالمساندة الأميركية المفتوحة على أحدث الاسلحة والذخائر، وحاول الإستفادة من دروس حرب غزة، وتأخير الحملة البرية، مقابل كثافة إستثنائية في الغارات الجوية، والهجمات السيبرانية، التي بلغت ذروتها في تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، وإغتيال مجموعة من قياديي قوة الرضوان.

وأشارت تقارير مهنية أن العدو الإسرائيلي يستخدم تسهيلات الذكاء الإصطناعي في حربه التكنولوجية ضد الحزب، وهذه التقنية لعبت أدواراً بارزة في عملية اغتيال الأمين العام لحزب لله السيد حسن نصرلله، والسيد هاشم صفي الدين، ومسؤولين آخرين.

ويبدو أن رفض نتنياهو المستمر لكل مساعي وقف النار في لبنان وغزة، يؤكد مخططه الخبيث في إدامة الحرب حتى الإنتخابات الرئاسية الأميركية في الرابع من تشرين الثاني المقبل، في إطار رهانه المكشوف على فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والتخلص من خلافاته مع الإدارة الديموقراطية الحالية، رغم كل الدعم اللامحدود الذي قدمه بايدن وفريقه للجيش الإسرائيلي منذ إندلاع الحرب على غزة.

وهذا العدوان الصهيوني المتمادي على لبنان، بهذه الوحشية التي تتعرض لها المناطق المدنية في بيروت والضاحية الجنوبية والعديد من المناطق الآمنة، تتطلب تحركاً لبنانياً أكثر دينامية، مما يحصل حتى اليوم، لأن تداعيات العدوان أكبر من قدرة الوتيرة الحالية للمعالجات الرسمية، علي أكثر من صعيد، لا سيما الصعيدين السياسي والإغاثي.

البيان الثلاثي الذي أعلنه الرئيسان نبيه بري ونحيب ميقاتي والزعيم وليد جنبلاط من عين التينة، يعتبر خطوة وطنية مهمة إلى الأمام، ولكن الوقوف عنده لا يكفي، دون متابعة الإتصالات الحثيثة مع كل الأطراف السياسية الأخرى، لترجمة مضمون البيان إلى خطوات عملية، على طريق إنقاذ البلد، وفي مقدمتها الإسراع في إنتخاب رئيس الجمهورية.

إقتناع الأطراف السياسية بالذهاب إلى خيار الرئيس التوافقي، يعني تجاوز العديد من العقبات التي كانت تعترض سابقاً، إنجاز الإستحقاق الرئاسي في السنتين الماضيتين.

ومثل هذا الخيار من المفترض أن يلغي لعبة الفيتوات التي سادت في المرحلة السابقة، بمعنى أن لا يحق لأي طرف أن يضع فيتو على أي إسم من المرشحين المحتملين للرئاسة، دون أن يعني ذلك تنازله عن معارضة «الرئيس التوافقي» الذي يحظى بتأييد الأكثرية النيابية ترشيحاً وإنتخاباً. وما نسمعه من بعض الأصوات عن إستمرار الفيتو على هذا المرشح، أو ذاك الإسم، لا علاقة له بأجواء البيان الثلاثي، بل هو يعني المراوحة في مواقف مرحلة الإنقسامات والمعاندة، التي أوصلت البلاد والعباد إلى ما نحن به من بلاء.

هل الحرص على لملمة وحدة الصف وتوحيد الجبهة الداخلية ضد العدوان الصهيوني المدمر، أصبح مشكوكآ بوطنية أصحابه، من قبل الذين مازالوا يقرأون في خطابات مرحلة الصراعات الداخلية. والإنقسامات الحزبية والطائفية؟

وهل الخيار التوافقي أصبح نوع من الخيانة ؟!!