IMLebanon

التكنولوجيا غيَّرت حياتنا

 

 

لا يشعر الانسان بتأثير التقدم التكنولوجي على حياته لأن العملية تحصل تدريجيا ويوما بيوم، وبالتالي تتأثر كل حياتنا به دون أن نشعر.  قال الـ«مهاتما غاندي» أن الديموقراطي الحقيقي هو الذي، عبر وسائل سلمية، يحافظ على حريته وبالتالي على حرية بلده وثم على حرية الانسانية جمعاء». هل تسمح التكنولوجيا المتطورة المسيطرة على تصرفات الانسان للديموقراطية بأن تستمر وتزدهر؟ تؤثر التكنولوجيا عمليا على تصرفات الانسان في الاستهلاك والاستثمار كما في التواصل الاجتماعي وبالتالي تأثيرها على الحريات والديموقراطية كبير جدا.  المهم أن يعي الانسان ذلك، وأن لا يسمح للتأثير التكنولوجي بأن يضر به وبمستقبله.  التكنولوجيا يجب أن تكون دائما في خدمة الانسان وليس العكس.

بدأ من نهاية القرن الماضي تحصل ثورة رقمية كبرى أدخلتنا في الثورة الصناعية الرابعة أي بعد ثورات المياه والبخار والكهرباء.  خلال السنوات الـ 23 الماضية، تغير العالم كثيرا مما يمكن أن يشكل خطرا على الانسان ومعيشته.  ليس من الضروري مقارنة حياة اليوم فقط بالعقود الماضية بل تكفي مقارنتها بالسنوات الماضية. أهم ما أثرت التكنولوجيا عبره هما قطاعي الاتصالات والنقل. من يستطيع العيش اليوم من دون الحاسوب السريع والخليوي المتطور وتقنياتهما المختلفة؟  من يستطيع العيش من دون التنقل السريع الفاعل بين العاصمة والأطراف أو حتى داخل العاصمة، حتى لا نقول من يستطيع العيش من دون التواصل المباشر مع الخارج اذ أن الاتصال عن بعد لا يكفي في الأعمال وحتى في الأمور الاجتماعية.

 

كل هذه التقنيات القديمة والجديدة مهمة وضرورية شرط أن لا يساء استعمالها وتضر بالانسان خاصة بالأجيال الجديدة التي لا تملك بعد القدرة على الدفاع عن نفسها أخلاقيا وعلميا وتقنيا وفكريا.  الذكاء الاصطناعي مهم جدا ومن يمكن أن يكون ضده، لكن المهم أيضا حسن استعماله حتى يكون مساعدا للانسان في العيش والعمل وأن لا يصبح بديلا عنه ويضر بمصالحه.  لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل مكان الذكاء الطبيعي بل يجب أن يكون مساعدا أو مكملا له. استعمالنا المكثف لكل التكنولوجيات ألغى خصوصياتنا، أي جعلها في متناول الجميع عبر الحواسب والاتصالات خاصة.  لم تعد هنالك أي سرية في التواصل اذ أصبح كل شيء معلناً ويمكن خرق الاتصالات الصوتية والمكتوبة بسهولة. سهلت هذه التكنولوجيا الكبيرة الحياة، لكن جعلتها أخطر لمن لا ينتبه في الاستعمال فيعرض نفسه وعائلته لكافة أنواع المخاطر والابتزازات.

 

سهل التطور التكنولوجي تضارب الحضارات والمجتمعات والأفكار، وكل شيء اصبح بمتوافر الجميع بسهولة كبرى. هنالك برامج مضرة متوافرة للشباب والشابات والأطفال تشجع على الشر وعلى سؤ التصرف وأحيانا على الضرر الكبير بالنفس.  حتما دور الأهل كبير ومهم وضروري  لكنه ليس دائما متوافرا بسبب الاهمال أو سؤ التقدير.  في عالمنا اليوم هنالك نفوذ كبير اقتصادي اجتماعي مالي لشركات التكنولوجيا كما لم يحصل سابقا في أي قطاع.

من يتجاهل اليوم سيطرة الشركات الخمس الكبرى على قطاع الأعمال العالمي كما على حياة الموطن اليومية؟  مجموعة الـGAFAM كبيرة وذات نفوذ واسع وتتنافس مع بعضها البعض ومع غيرها بقوة والرقابة عليها من قبل السلطات الرسمية الوطنية والعالمية ما زالت ضعيفة.  هذه الشركات هي غوغل، أبل، فيسبوك أو ميتا، أمازون ومايكروسوفت.  حجمها كبير جدا وقدرتها على التحرك أكبر واستيعابها لأفضل العمالة العالمية واسعة ومؤكدة.  هنالك اليوم مجموعة ايضافية من الشركات الجديدة تلعب دورا كبيرا في المجتمعات وتسهل حياة الانسان كما تقيد حياته تبعا لقواعدها وشروطها المختلفة وأحيانا المتناقضة.  من هذه الشركات نذكر نتفليكس، أوبر، تسلا وايربنب.

يغير التطور التكنولوجي حياتنا تدريجيا ويوميا، لكن الخطورة تكمن في تأثيره على نوعية الحياة ودور الانسان في المجتمع والدولة. العلوم مهمة شرط أن تبقى في خدمة الانسانية وليس لتضر بها وبتفكير الانسان وثقافته ومجتمعه. فالعلوم يمكن أن تذهب بعيدا في تغيير طبيعة الانسان أي في حياته ونفسيته وعقله وجسمه وبالتالي تغيره كليا. يمكن للعلوم أن تطور قدرات الانسان الى حدود مرتفعة ايجابية وسلبية.  هل هذا ممكن أم هو وهم، حيث تغير التكنولوجيا فقط الاتجاهات وليس القدرات التي تبقى كما هي.

تأثير التطور التكنولوجي لا يكون فقط على الانسان بل يمكن أن يؤثر على الأنظمة السياسية العامة. قال الاقتصادي الكبير «فريديريك فون هايك» أن النظام السياسي المركزي ويقصد تحديدا الشيوعي والاشتراكي لا يمكن أن يستمرا ويزدهرا، اذ من المستحيل أن تدير الحكومة أي حكومة الدولة ومصالحها وحاجات المواطنين من الوسط أي العاصمة.  لا يمكن للحكومة في رأيه الحصول على المعلومات الكافية المتشعبة والمنتشرة جغرافيا وقطاعيا لحسن ادارة البلد.

لذا من الأفضل لكل مجتمع في رأيه أن يعتمد النظام الاقتصادي الحر المبني عل حرية الأسواق، أي نظام العرض والطلب.  هذا مهم ومنطقي لكن ما هو دور التكنولوجيا الجديدة في الموضوع؟  نظريات «فون هايك» كانت منطقية وواقعية قبل التطور التكنولوجي وخاصة قبل الذكاء الاصطناعي. من هنا نسأل لو توافرت في ثمانينات القرن الماضي وقبلها تقنيات الذكاء الاصطناعي وقدراته على جمع المعلومات وفرزها ودراستها وتوزيعها مثلا، فهل كانت الأنظمة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية وغيرها لتستمر؟  هل يعود سقوط الأنظمة الشيوعية الى عدم توافر التكنولوجيا والعلوم المناسبة أم أنها كانت لتسقط في كل الظروف؟  لو بقي «فون هايك» على قيد الحياة، هل كان ليغير نظرياته أو يعدلها؟

تبقى هنالك مشكلة أساسية هي مركزية القرار التي يمكن أن تقف في وجه الوصول الى النتائج الفضلى. ان توزع القرارات الاقتصادية على المناطق يبقى أفضل مع تطبيق اجراءات وقواعد وقوانين تحافظ على المنافسة وتمنع الاحتكارات.