بعد رحلة الطيران والوصول إلى مطار رفيق الحريري الدولي، تستقبلك مجموعة من النسوة يحملن صور اللواء قاسم سليماني ويصرخن في المطار “الموت لأمريكا، الموت لآل سعود”. تقلّب الصفحات على مواقع التواصل وإذ ببيان للخارجية اللبنانية يدين اغتيال سليماني، تستقل سيارة أجرة باتجاه وسط بيروت، فتستقبلك أولاً جادة “الإمام الخميني”، لتسلك بعدها أوتوستراداً تنتشر عليه صور سليماني. ترفع صوت الراديو في السيارة وإذ بالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يتكلم عن “بطولات” سليماني ورئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وعن التشييع في المنطقة وقرارات الشعب الإيراني، مهدداً الأميركيين وقواعدهم العسكرية بضربات ضمن معركة “مسارها طويل”… للوهلة الأولى تحسب أنك وصلت “طهران” على حد قول أحد الزائرين العرب الذين زاروا لبنان حديثاً.
يسأل الزائر السائق عن أوضاع لبنان، يشير بأصبعه إلى أحد المصارف، “انظر إلى هذا الطابور، إنهم لبنانيون ينتظرون دورهم للحصول على فتات من أموالهم، اننا في أزمة اقتصادية خطيرة، ناس انتحرت من الجوع، الليرة اللبنانية لا قيمة لها، أزمة مازوت وغاز وتقنين في الكهرباء يلامس الـ 20 ساعة يومياً في بعض المناطق. ارتفاع مخيف في الأسعار، مؤسسات تقفل أبوابها وبطالة وسرقات وفضائح يومية لفساد الطبقة السياسية ولا حكومة، وإذا استمر الوضع على حاله سيكون الإفلاس عنوان المرحلة المقبلة، علما اننا سمعنا من المسؤولين مصطلح المجاعة…”، إلى أن يصل إلى وسط بيروت حيث خيم الثوار والانتفاضة على المسؤولين.
مشهدان واضحان، الأول “طهران” حيث صور سليماني الذي استخدم أرض لبنان وشعبه لتنفيذ حلمه الإيراني وخطاب السيد وجمهوره الذي يرفع قبضته ويصرخ “الموت لأمريكا” والثاني بيروت التي باتت أسيرة المشهد “الطهراني” بكل تداعياته السوداوية التي اختصرها جواب السائق والمشاهد الواقعية عند أبواب المصارف ومحطات الوقود وساحات الثورة.
في الانتفاضة، الرهان كان ناجحاً، فوفق رأي الزائر العربي إن الفئة العمرية للبنانيين ما بين 15 و25 سنة، هي التي ستحدث التغيير الحقيقي عند أول انتخابات نيابية سواء كانت مبكرة أو المقررة في العام 2022، وبالتالي العين على هذا الاستحقاق، وإذا استمر زخم الانتفاضة لأشهر في ظل فشل القوى السياسية في المعالجة فإن الانتخابات النيابية المبكرة قادمة لا محال، وصرخات الساحات ستوضع في صناديق الاقتراع.
أما في شأن، هوية لبنان وموقعه وامكان مساعدته من المجتمع الدولي، فيقول المراقب العربي يجب تقويم حال لبنان وإعادته إلى موقعه الطبيعي العربي وذلك عبر أمرين:
الأول: إعادة التوازن السياسي والتشريعي إلى لبنان، بعدما باتت الأكثرية في هذا البلد تشبه الأقلية في العالم، جراء دفع لبنان إلى الحضن الإيراني بتسوية سياسية أعطت رئاسة الجمهورية وأكثرية نيابية ووزارية لمصلحة إيران، وأضيفت عليها منذ أسابيع السيطرة على رئاسة الحكومة.
الثاني: عدم تحويل لبنان إلى منصة إيرانية لمواجهة العرب والمجتمع الدولي والقاء الخطابات الناطقة باسم إيران ضد العرب. عدم تحويله منصة سياسية وعسكرية وإعلامية لمصلحة طهران، ولا يعني ذلك اقصاء أي مكون لبناني.
إن لبنان يدفع ثمن ضرب هويته العربية، وأمام كل التطورات في هذه البلاد، فإن الحل وخطة المعالجة والرؤية المستقبلية والسياسة السيادية… قائمة على معادلة واحدة “أن تكون لبنانياً… وليس إيرانياً”.