مع التسليم جدلاً بأن ايران حلّت محلّ سوريا في لبنان من حيث امتلاكها أوراقاً داخلية لم تعد مضطرة الى تقاسمها مع النظام السوري الذي أضحى بنفسه ورقة من أوراق ايران في المنطقة وقدرتها على التأثير على “حزب الله”، ستستمتع ايران لبعض الوقت بالاتصالات والمساعي التي ستنصب عليها من الدول الغربية أو سواها من أجل التعاون في تسهيل أزمات المنطقة. ففيما انتظر مسؤولون لبنانيون نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس لطهران باعتبار انه سيبحث أيضاً في موضوع مساعدة طهران في الافراج عن استحقاق الرئاسة اللبنانية على رغم معرفة العارفين بأن هذا الجهد لم يكن لينجح لأن أوان أي تفاهم او تسوية لم يحن بعد، فان ايران وعلى غرار سوريا التي كانت تستطيب زيارات سياسية وديبلوماسية من كل حدب وصوب من أجل طلب المساعدة في الازمة اللبنانية فتراوغ وتساوم قبل أن تقدم تنازلاً ولو جزئياً في استحقاقات لبنانية أساسية، ستأخذ وقتها في تعميم الانطباعات وتكريسها كما كانت تفعل دمشق في شأن مرجعيتها الكبيرة والأساسية في المنطقة والتي لا قبل للغرب أو للدول الاقليمية أن يحلا هذه الازمات من دونها. ولذلك فانه من المبكر بالنسبة الى طهران ان تعطي أجوبة بحيث تسهل الانتخابات الرئاسية اللبنانية علماً ان أسباباً أكثر وجاهة تحول دون ذلك في ظلّ حساباتها في المنطقة وصراعها المتعاظم مع المملكة العربية السعودية وسعيها الى الامساك بأوراق تفاوض عليها وعلى تعزيز نفوذها، لكن المشهد الذي كان يحوط بسوريا سابقاً هو نفسه ما بات يعود لطهران راهناً.
البارز في ما خص موضوع الرئاسة الذي بات على الرف ولم يعد مطروحاً ان الافرقاء المسيحيين الأساسيين يرفضون القول إن المسيحيين يعطلون الانتخابات أو تحميلهم المسؤولية وحدهم. وهذا هو موقف الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في ضوء رمي كرة التعطيل في خانة “حزب الله” أيضاً، فيما العماد ميشال عون يرمي كرة التعطيل في ملعب تيار المستقبل الذي لا ينتخبه رئيساً علماً ان قوى أخرى لا تدعم وصول عون أيضاً ولا ترى ضرورة لابراز اعتراضها بقوة ما دام هناك معترض أساسي مرجح على وصول مرشح سماه ويدعمه “حزب الله”. وازاء العجز المسيحي عن اقتراح مخارج تسوق لبنانياً مع الآخرين لاعتبارات لا مجال للدخول فيها لكنها تشكّل مقتلاً بالنسبة الى موقع المسيحيين وتراجع قدرتهم على القرار في لبنان، تبرز تساؤلات في ضوء مباحثات فابيوس في طهران وما إذا كان ينتظر المسؤولون أن تفرج طهران فقط عن الاستحقاق الرئاسي أو أن تفرج عنه معطوفاً على شروط أو مرشحين معينين، علماً انها ليست وحدها في هذا السياق. لكن بالعودة الى تجارب الماضي القريب فان الوساطة الفرنسية أو الاميركية مع سوريا لم تكن تثمر النتائج التي كان يرجوها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً. فعلى رغم ان فرنسا أو سواها تدرك جيداً الوضع اللبناني وحيثياته ففي النهاية يمكنها ان توافق على مبدأ الافراج عن الرئاسة لمصلحة انقاذ الاستحقاق الرئاسي من جهة واعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية اللبنانية بأي ثمن من دون تفاصيل يعلق عليها الأفرقاء اللبنانيون او المسيحيون أهمية قصوى. والتساؤلات التالية بالنسبة الى مراقبين هو ما اذا كان وزير الخارجية الفرنسية يحمل تفويضاً أقله من المسيحيين من أجل التوافق على رئيس للجمهورية او تذكية اسم معين باعتبار أن الكرسي الرسولي بالذات اعتكف عن القيام بهذا الدور لغياب مثل هذا التفويض المسيحي أولاً بحيث يتم التساؤل عما إذا كان المسيحيون سيقبلون ما يتم التوافق عليه مع الدول الاقليمية لو تولت فرنسا أو الفاتيكان أو سواهما ذلك أو أنهم يتركون الأمور عشوائية حتى يرفضوا لاحقاً ما سيتم الاتفاق عليه كما فعلوا حين سمى الرئيس الراحل حافظ الاسد النائب السابق مخايل الضاهر في الوقت الذي لم يزود الأفرقاء المسيحيون الوسطاء اسماً يشكل توافقا بينهم على الأقل من أجل اقناع الآخرين به، علماً ان لا توافق بينهم أيضاً على أي مرشح من بينهم ولا حظوظ فعلية وفق ما اظهره شغور يمتد الى أكثر من سنة حتى الآن في موقع الرئاسة الأولى ولا حتى امتلاك القدرة على فرض أي منهم رئيساً.
ومن هنا يأتي يأس بعض الدول الغربية وفي مقدمها الفاتيكان بالذات من اداء الزعماء المسيحيين بالذات وتحميلهم مسؤولية بنسبة كبيرة من تغييب القرار او القدرة المسيحية في انجاز الانتخابات الرئاسية ما يزيد من المخاوف على دور المسيحيين في لبنان وعبره في المنطقة وفق ما تقول بعض المصادر الديبلوماسية التي تتحدث عن عجز في المقابل عن المساعدة في حماية دور المسيحيين في غياب مساهمة ايجابية فاعلة. ولعل اشارة رئيس الحكومة تمام سلام في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي دارت حول ايجاد حل للنفايات الى مجموع الهبات والقروض المعلقة للبنان والتي تساوي أكثر من 743 مليون دولار الى جانب الحاح استحقاق اصدار واستبدال سندات خزينة وتأمين الرواتب والمراسيم المتوقفة جميعها بسبب تعطيل مجلس الوزراء، آخر المؤسسات الدستورية العاملة غير الجيش، نتيجة مطالب ومصالح شخصية كما هي حال رئاسة الجمهورية، كافية لتأكيد دور سلبي يضطلع به أفرقاء مسيحيون بقوّة أقله أمام الخارج الذي لا يرى أسباباً جوهرية وواقعية لمطالبهم.