لا يملك أي عروبي أصيل النشأة على مناصرة فلسطين حافراً عميقاً في وجدانه القومي حلم تحريرها إلا وأن تتملكه أحاسيس الغبطة والأمل بقرب تحقيق الحلم أمام سماعه عبارات من عيار «زوال الاحتلال» و«تدمير النظام الصهيوني» كالتي يطلقها النظام الإيراني على مسامع أبناء الأمة منذ نعومة أظفار الثورة الخمينية عام 1979 وحتى اخشيشانها وتوغّلها في عروق الأمة عام 2016.. منذ نحو أربعة عقود وطهران لا تزال تتوعد الاحتلال بالزوال ولا تزال فلسطين على حالها لا النظام الصهيوني زال عنها ولا النظام الإيراني حرّرها!
هي لعبة اللعب على المشاعر القومية العربية أتقنت طهران لعبها والتفنن بالمتاجرة بها منذ عشرات السنين على حساب فلسطين وشعبها وحقه في أرضه والعودة إليها، توغلت في العمق العربي وشقت دروبه على صهوة القضية المركزية للعرب بعد أن حوّلتها من قضيّة إلى مطيّة تغزو بها عواصم الأمة وتشتّت أبناءها تحت لواء تحرير القدس.. وتل أبيب لا تنفك تمعن في تهويد القدس وإقامة مزيد من المستوطنات الإسرائيلية على أنقاض خارطة فلسطين التاريخية، وطهران لا تنفك تمعن في محو وتدمير مزيد من المدن العربية وإقامة المستوطنات الإيرانية فوق ركامها كما هو حاصل على أنقاض خارطة دمشق التاريخية.
بالأمس كان «يوم القدس العالمي» الموعد السنوي الذي تضربه إيران مع المتاجرة بالقضية الفلسطينية فتطلق فيه على دارج عادتها في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك صليات من الصواريخ الخلّبية من عيار «محو الكيان الصهيوني عن الخارطة» و«تدمير» إسرائيل كما هدد نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري العميد حسين سلامي متوعداً في معرض التفاخر بوجود «100 ألف صاروخ إيراني جاهز للإطلاق من لبنان لضرب قلب النظام الصهيوني» ولا تنتظر سوى «قرار (من طهران) لمحو هذه النقطة السوداء» عن الوجود.
فإذا كان السؤال البديهي الملحّ يطرح نفسه عن السبب الذي يحجب القرار الإيراني بمحو إسرائيل عن الخارطة وتدمير كيانها المحتل وتحرير فلسطين والأمة من نير الاحتلال طالما أنّ إيران تمتلك القدرة العسكرية على تحقيق ذلك عبر أذرعها العسكرية المنتشرة في المنطقة.. يبقى السؤال البديهي الألحّ ماذا عن صواريخ إيران من إيران؟ ولماذا تكتفي طهران بالتهديد الأزلي عبر الأثير بالقدرة على إزالة إسرائيل مع متلازمة التلطي خلف أذرعها الإقليمية غاسلةً يدها من أي تبعات مباشرة لهذا التهديد على استقرارها وجيشها وقواها العسكرية؟
الجواب بسيط: لأنّ إيران ليست سوى كبيرهم الذي علّمهم المتاجرة بالقضية الفلسطينية وجنّدهم تحت لواء قتال المغتصبين الصهاينة وتحرير القدس لقتل الشعوب العربية واحتلال عواصمها.. وبهذا قضى قاضي قضاة فلسطين السابق وإمام جامع الخليل الشيخ تيسير التميمي: «حين أطلق الخميني شعار يوم القدس العالمي كان نائب وزير دفاعه يوقّع في الوقت نفسه اتفاقية شراء أسلحة من إسرائيل بقيمة 133 مليون دولار ليقتل بها الشعب العراقي (…) نظام ولي الفقيه أطلق شعار يوم القدس ليضلّل الأمة ويتآمر عليها وقد كشفت الحقائق أدوار هذا النظام في استمرار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية بشكل يخدم الاحتلال ويحقق له ما عجز عن تحقيقه عبر عقود طويلة (…) تصفّي إيران الفلسطينيين في سوريا وتقتل أبناء الأمة خصوصاً في دول الطوق لإضعاف هذه الدول ولتبقى إسرائيل قوية».
إنه «يوم المتاجرة العالمي بالقدس».. لتبقى إيران وإسرائيل كل عام بخير!