ليس مِن الحكمة أن يدَّعي أيٌّ مِن طرفَي الصراع السوري قدرتَه على قلبِ المقاييس، فموازينُ القوى لا تَسمح بذلك، ما فتحَ البابَ أمامهما لاستغلال نقاط الضعف لدى أيّ منهما لتحقيق أيّ مكسب مهما كان متواضعاً. لذلك فإنّ طهران وموسكو تحتسِبان الأسوأ لتكونا واقعيّتين. فما هي السيناريوهات التي تخضَع للنقاش؟
تتبادل المراجع الديبلوماسية سيناريوهات كثيرة حول مجريات العمليات العسكرية في سوريا على العديد من الجبهات المفتوحة على المجهول من النقاط المشتعلة على الحدود السورية – التركية إلى حلب وريفها وأطراف المناطق الساحلية، إلى القلمون والزبداني في ريف دمشق الغربي، وصولاً إلى مناطق الجنوب.
وعلى هذه الخلفية يلتقي زوّارُ العاصمتين الروسية والإيرانية على الحديث عن سيناريوهات كثيرة واقعية ومتناقضة في آن. فليس لدى أيّ منهما خريطة واضحة تُحدّد الخطوطَ الحمر سوى التي وضعاها من طرفٍ واحد ولم تحظَ إلى اليوم بموافقة الرعاة الإقليميين والدوليين الآخرين.
فقد سبقَ للعاصمتين أن أبلغتا الطرف الآخر وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وتركيا بهذه الخطوط بوجهَيها السياسي والعسكري في مختلف المناسبات ولم ينجحا في إجراء أيّ تعديل على استراتيجياتها.
ولا يتنكّر زوّار العاصمتين إلى ارتفاع مستوى القَلق لديهما في ظلّ المتغيّرات الأخيرة التي طرأت في شمال البلاد وجنوبها. فنجاحُ الطرَف الآخر في توحيد القوى العسكرية المعارضة قد فعل فعله تحت قيادات عسكرية موحّدة تحت راية «جيش الفتح» وأخرى تحت راية «جيش حرمون»، عدا عن تلك التفاهمات المحلّية التي شهدَتها منطقة الغوطة الدمشقية بين بعض المجموعات المسلّحة، ما جعلها تتحكّم بشرايين العاصمة من بوّابة جوبر.
تزامناً مع إعادة فتح المعارك على طول الحدود التركية – السورية من تل أبيض إلى كوباني ومنطقة الحسكة التي ما زال النظام يتحكّم بأجزاء منها وصولاً إلى حلب وريفها.
ولذلك تصِرّ العاصمتان على رفض أيّ من السيناريوهات التي تتحدّث عن حكومة انتقالية في المرحلة الراهنة بصلاحيات واسعة انطلاقاً مِن الخلاف الذي ما زال قائماً حول تفسير مقرّرات «جنيف 1».
ويسعَيان بكلّ قدراتهما إلى إعادة إشراك النظام في مواجهة الإرهاب على قاعدة أنّ قوّتَه العسكرية البرّية هي الوحيدة المؤهّلة لملاقاة خطط الحِلف الدولي الذي ما زال يضرب من الجوّ بدون أن يُحَقّق أيّ انتصارٍ له قيمتُه الاستراتيجية على الأرض. فالضرَبات الجوّية التي تكثّفَت في الفترة الأخيرة على مواقعِه في العراق تعكس إعطاءَ الأولوية لـ»داعش العراقية» دون «السورية» وهو ما تأخذه إيران وروسيا على الولايات المتحدة ودولِ الحلف أجمعين.
وفي قناعتهما، أنّه لولا الضربات الجوّية التي تتركّز على المواقع القيادية لـ»داعش» في الرقّة لَما كان هناك ذِكرٌ لعمليات الحِلف في مناطق سوريّة أكثر أهمّية.
على الأقلّ لمنعِ توسّعِها والسماح لها بالتقاط أنفاسها والعودة إلى خطط الهجوم في المناطق التي خسرَتها، ولا سيّما على الحدود التركية، والتي تحتسبها أنقرة على أنّها تهديدٌ مباشَر لأمنها القومي وسلامةِ أراضيها، وتضعُها في ميزان فشَلِ الحلف الدولي ما لم يلجَأ إلى المنطقة الجوّية الآمنة. فكلّما تضخَّمَ حجمُ الأكراد في المنطقة المحاذية للحدود تندفعُ تركيا في اتّجاه معاكس لتوجهات بقيّة أطراف الحِلف التي لا تحتسب الهمَّ التركي على أنّه أولوية.
وعليه، يضيف الزوّار أنّ القيادتين الإيرانية والروسية وعلى رغم حجمِ اللقاءات القليلة التي تعقَد بين مسؤولي الدولتين، لهما مَن يَمثلهما في سفارتَي بلديهما في دمشق، ومن الخبَراء في الدوائر العسكرية السورية، وهما على تنسيق دائم في مواجهة كلّ ما يتهدّد النظام، ولا سيّما في المناطق الحيوية والإستراتيجية من العاصمة إلى الساحل السوري، حيث يشاركان في وضع خطط التصَدّي لهجمات المسلّحين عدا عن الدعم العسكري الذي توَفّرانه.
ولذلك، يَختم الزوّار بالقول إنّ في احتساب العاصمتين الروسية والإيرانية السيناريوهات السَلبية كثيراً مِن الحكمة، وقليلاً مِن التهَوّر. فهما على يقينٍ بما لدى النظام ومؤيّديه مِن مقوّمات الصمود إلى اليوم ويراهنان على تفَهّم أميركي ودولي للترَوّي في التعاطي مع النظام، ولا سيّما إزاءَ مظاهر العنف المتمادي الذي تلجَأ إليه «داعش» في تطوير أشكال الإعدامات والإستمرار في إعطاء النظام مزيداً من أوراق القوّة في موازة فشَلِ الحِلف الدولي في تقديم القوّة السورية المعتدلة. والأكثر من ذلك كلّه الفشَل في اختيار البديل من الرئيس السوري والذي شكّلَ ورقةَ قوّةٍ روسية – إيرانية مشترَكة في مفاوضاتهما مع مختلف أطراف الحلف.