IMLebanon

طهران وتل أبيب… وشجار رعاة البقر 

 

إن نزراً يسيراً من عبارات التهديد التي وردت على لسان الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري «الأيادي على الزناد، وصواريخنا جاهزة للإطلاق… أنتم محاصرون… وتعيشون في فم الثعبان، لن يبقى لكم أثر….» أو تلك التي وردت على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان «على جميع من هم على الحدود الشمالية أن يفكروا جيداً قبل أي فعل… ليس من مصلحتهم اختبار الجيش الإسرائيلي»، يوضّح أنّ إيران وإسرائيل لا تستهدفان بعضهما. إيران  تخاطب بتهديداتها ما تبقّى من عواطف وخيالات العرب والمسلمين. هذه التهديدات، التي وإن نجحت في حين، مستفيدة من الإحساس العربي العارم بعجز الأنظمة عن تحرير فلسطين، فهي عاجزة الآن عن تبرير الإستباحة الإيرانية بحق الدولة الوطنية في كلّ من  لبنان وسوريا واليمن والعراق. يُدرك الجميع أين هي القدس ويتثبّتون كلّ يوم مدى الإحترام الإيراني للضوابط التي يضعها الأميركيون والروس لحماية إسرائيل ومدى التزام إيران بها. في حين تخاطب إسرائيل بقايا المجتمع الغربي واللوبي الصهيوني في الولايات المتّحدة لأهدافٍ إقتصادية واستنهاضاً لإيديولوجية زائلة.
هناك اعتبارات كثيرة تسقط مبررات المواجهة بين إيران وإسرائيل، يأتي في مقدّمها الدور الإقليمي لإيران الذي يرتكز إلى أيديولوجيا طائفية، ويضاعف الانقسامات العربية لصالح صراع ديني طائفي مفتوح محققاً مصلحة إسرائيلية دائمة.. كما أنّه يحاكي  موروثاً إسرائيلياً فارسياً ضد العرب. أما من الزاوية الإيرانية فإن إيران لا تغامر بتقويض نجاحاتها التي تكبر ككرة الثلج من العراق حتى البحر المتوسط.
في لبنان يفرض القرار 1701 وقفاً للأعمال العدائّية، يحفظ الأمن في شمال إسرائيل ويُفسح المجال لإيران من خلال حزب الله للتفرغ للساحة الداخلية. أليس قانون الانتخابات الذي أُسقط في ليلة ليلاء أحد التعبيرات عن  حالة الإسترخاء التي يعيشها حزب الله في لبنان، وخطوة الى الأمام في مسار تعزيز حضوره للإمساك بالمؤسسات الدستوريّة؟ يُدرك رؤساء الكتل النيابية، باستثناء الثنائي الجنوبي، الذين يجهدون اليوم لاستنفار ساحاتهم الإنتخابية نتيجة ما اقترفوا بقُصرِ نظرهم عندما رضخوا لإرادة صانعي قانون الانتخابات.
تمثّل الأوضاع المتحوّلة كلّ من لبنان والعراق وسوريا، الخط البياني لتطور النفوذ الإيراني، وتمثّل الحالة اللبنانية المرحلة الأكثر نجاحاً على صعيد الاختراق الإيراني والأكثر تفاقماً على  صعيد تغيير معالم الدولة، وربما الأكثر نضوجاً لإحداث تغييرات بنيويّة في مؤسسات الدولة ونقاط القوة فيها، وإلا فكيف تصبح مناقشة الاستراتيجية الدفاعيّة مطلباً لحزب الله وفق ما ورد في خطاب أمينه العام السيد حسن نصر الله بعد أن كان مجرد الحديث عينها مدعاةً للتخوين والتفريط بقدرات المقاومة؟ وكيف يمكن فهم الدعوة الى مقاربة جديدة للملف الاقتصادي بعد الانتخابات واتهام الفريق الذي تولّى الملف الاقتصادي منذ عقود بالفشل؟ أليست هذه مرحلة تشريع السيطرة الأمنية واستكمالها بدور اقتصادي على غرار الآلية التي اتُّبعت في فرض قانون الانتخابات؟
أما في العراق، فلا يزال توسيع النفوذ في مراحله ما قبل اللبنانية، مراحل الهيمنة بالوكالة من خلال ميليشيات مذهبيّة تهيّمن على السلطة والدولة، وتتمتع بمشروعيّة مستمدة من دعوة الحكومات الشرعية لها، مع تسجيل تقدّم بعد تشريع الحشد الشعبي. وفي سوريا احترام وتقيّد بالضوابط الأميركية بما يحفظ أمن إسرائيل في الجنوب والمصالح الأميركية في الشمال، مع الاكتفاء بإحداث تغيير ديموغرافي في العاصمة ووسط سوريا يفضي الى الإمساك بمفاصل نظام ضعيف يستجدي أبسط مقوّمات الدعم. تمثّل الحالة العراقية المرحلة ما قبل اللبنانية وتمثّل الحالة السورية المرحلة ما قبل العراقية.
لا يختلف الاشتباك اللفظي والتهديدات بالمواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران في الساحة السورية المستباحة، عن تلك الأدبيات التي جذبتنا الى أفلام رعاة البقر (Cowboys) التي ضجّت بها السينما الأميركية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.  ولا يختلف رعاة السياسة في كلتيّ الدولتين عن رعاة البقر أنفسهم. الدولتان متفقتان على زعزعة استقرار المنطقة، والدولتان متسابقتان ومتنافستان على خيراتها، شأنهما شأن رعاة البقر المتنافسين على احتكار الأقوى من بينهم للهيمنة، وليس على تعزيز الإستقرار والرخاء في المدينة. قيم رعاة البقر نفسها استُحضرت من الغرب الأميركي الى شرق المتوسط، والعبارات عينها وإن تنوّعت اللغات من إنكليزية ركيكة مشتقّة من بقايا إسبانية وفرنسية وبرتغالية، الى عبريّة وفارسية  مأزومتين ضمن حدود جغرافية يصعب تجاوزها.
طهران وتل ابيب متفقتان في المنطق ومتنافستان على المنطقة، التهديدات المتبادلة التي لن تلبث أن تهدأ،  لا ترقى الى أكثر من شجار رعاة البقر في أحد الأفلام الأميركية…