طهران وواشنطن : Persona non grata
د. سمير صالحة
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوصل إلى اتفاق لوقف النار في سوريا والاستعداد لبدء المفاوضات السياسية. وكان لافتاً الحرص الروسي على التأكيد أنّه يبلغ طهران بسير المحادثات، وأنّه ينتظر الأميركيين للدعم والمشاركة في المرحلة المقبلة.
مولود شاووش اوغلو وزير الخارجية التركي يرى أنّ عملية الانتقال نحو السلام في سورية تشمل نظام الاسد ايضاً. التصاعد الأخير في الدور التركي توّج باتفاقية تجعل من موسكو وأنقرة ضامنين لتنفيذ بنود اتفاقية وقف النار الشامل، وسط تجاهل كامل لايران واميركا.
ما هي حظوظ وفرص اتفاق انقرة في النجاح من دون مشاركة ودور فاعل لطهران وواشنطن؟
المؤكد أنّ الرئيس الروسي يريد أن يلعب الدور الرئيسي في المرحلة المقبلة للملف السوري. هو اخذ انقرة الى جانبه هذه المرة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّه تجاهل كلياً حصة ايران واميركا.
مؤشرات كثيرة تتحدث عن الامتعاض الايراني -الاميركي، وأنّهما لن يفرّطا بأية فرصة سانحة لعرقلة الاتفاق، على غرار ما حدث خلال تنفيذ اتفاق شرق حلب، عندما سارعت واشنطن لزيادة دعمها للوحدات الكردية في شمال سوريا. ردة الفعل الاميركية الاولى كانت قرار طرد الدبلوماسيين الروس من اراضيها.
أمّا طهران التي طالبت بحصتها في فرض تفاهم ثلاثي اوسع يشمل محيط دمشق، ومنطقة وادي بردى وحماه، إضافة إلى ريفَي حمص واللاذقية الشماليَين فوجدت نفسها امام مشكلة إبعادها تماماً من اتفاق انقرة.
المشروع الإيراني المبني على الحسم العسكري والتمدد الجغرافي والوصول الى شرق المتوسط بات يشكّل خطورة على السياستين التركية والروسية، ربما همّ طهران الاول والاخير هو إطالة عمر الازمة السورية وتعقيد الامور اكثر فاكثر لتتمركز وتنتشر اقليمياً.
والسؤال الذي يطرح، هل هناك تفاهم تركي روسي غير معلن يشمل التنسيق العسكري والامني في الحرب على داعش بعد الآن. هل سيشمل هذا التنسيق ايضاً التحرّك ضد الوحدات الكردية حليف واشنطن، لكنّها الحرّبة الاميركية الاهم في افساد التفاهمات التركية- الروسية؟
تراجعت العلاقات التركية الأميركية بشكل غير مسبوق هذا العام بسبب تجاهل الادارة الاميركية لمصالح تركيا في سوريا والعراق وبينها خطة
المنطقة الآمنة، ورفض أوباما تسليم فتح الله غولن المتهم بقيادة محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. الرئيس التركي فعل اكثر من ذلك، اتهم التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بتقديم الدعم العسكري واللوجستي إلى داعش والوحدات الكردية في سوريا.
صالح مسلم أوجز خيبة الامل الأميركية على طريقته، ربما عندما قال إنّ حزبه غير معني بهذا الاتفاق.
وأضاف: «هو اتفاق بين قوات مرتبطة بروسيا أي النظام ومَن يتحالف معه وبين تركيا والفصائل المرتبطة بها في حلب وريف حلب… ونحن لسنا مرتبطين لا بروسيا أو تركيا».
كلّ شيء لم يعد مرهوناً بمدى التقارب بين بوتين وترامب. فروسيا حسمت موقفها في الاسابيع الاخيرة، وهي تريد ان تضع امام الرئيس الاميركي الجديد المشروع بتفاصيله كافة مع حصته المحتملة، وربما هذا قد يوفّر عليه التعب والمشقة في ملف متشابك معقّد مثل الملف السوري.
فيما كان البعض يتلهى بالحديث عن هزيمة الجيش التركي امام تنظيم داعش في مدينة الباب، كانت المقاتلات الروسية تتحرّك في سماء المدينة لقصف أهداف لداعش. أردوغان كان ينتظر تحرك التحالف الدولي، فوجد موسكو الى جانبه في الباب في اطار عملية درع الفرات التي انتقدتها طهران وواشنطن اكثر من مرة.
فيما كان احد الاعلاميين الاتراك المعروفين يردد على مسامعنا أنّ روسيا هي التي مثلت ايران في اتفاق انقرة لوقف اطلاق النار، كانت المقاتلات الروسية «تخون» العهد مع النظام السوري وايران، وتهاجم معاقل تنظيم داعش في مدينة الباب التي تحاصرها القوات التركية والجيش السوري الحر.
رمزية الهجوم اهم بكثير من فاعليته على الارض فهل هو بداية التنسيق الروسي مع قوات المعارضة السورية ام بداية العمليات العسكرية التركية الروسية في سوريا ضد هذا التنظيم؟
اقلام ايرانية كانت تقول لنا قبل ايام «تركيا ادركت أنّ المغامرة في سوريا قد انتهت، لذلك التزمت بعدم التقدّم نحو الباب» اليوم روسيا تهاجم داعش جنباً الى جنب مع الجيش السوري الحر والقوات التركية هناك.
نظام الاسد ملزم عاجلاً أم آجلاً في الاختيار بين المشروعَين الروسي والايراني، فعملية قطف الثمار لم تبدأ وشرق حلب ليس نهاية المعركة.
المشهد السوري بعد مرور عشرة ايام فقط على تفاهم موسكو ثمّ اتفاقية أنقرة، بات يقول لنا الكثير. من الصعب إخراج طهران وواشنطن من المعادلة السورية، لكنّ رسائل محلّية وإقليمية ودولية كثيرة، باتت تردد في العلن أنّ الطرفَين في وضع Persona non grata
«الشخصية غير المرغوب بها» في سوريا، فكيف سيتصرّفان في المرحلة المقبلة لحماية مواقعهما ونفوذهما هناك؟