كما كان الحال مع خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كذلك سيكون مع رسالة جمهوريّي الكونغرس الأميركي إلى المرشد الأعلى الإيراني السيّد علي خامنئي، التي تحَذّره من أنّ الاتّفاق المزمَع توقيعُه بين البلدين لا قيمة له إذا لم ينَل موافقتَهم، لأنّهم يشكّلون الغالبية.
لكنّ «الشغَب» غير الاعتيادي الذي مارَسه الجمهوريون على رئيس الدولة باراك أوباما، لعلّه علامة فارقة في الحياة السياسية الأميركية، على رغم أنّ المحَلّلين يُجمعون على أنّه لا يخرج عن الكيديّة السياسية التي تتصاعد حُمّاها شيئاً فشيئاً، مع اقتراب التغيير في سدّة الرئاسة بعد أقلّ مِن سنتين.
هكذا يُنظَر أيضاً إلى «الفضيحة» التي يسعى الجمهوريون إلى تضخيمها عن البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي يفصلها بَونٌ شاسع عن أقرب منافس جمهوري في السِباق إلى البيت الأبيض بحسب استطلاعات الرأي.
تطابُق ردّات فعل الإدارة الأميركية مع إيران بـ»تسخيف» تلك الرسالة وتأثيراتها المحتمَلة، يوحي عمَلياً بأنّ الإتفاق النووي حاصلٌ لا محالة، فيما الإعتراضات عليه ستتحوَّل آجلاً أم عاجلاً مادةً في بازار السِجال السياسي والانتخابي. وما هو متوقّع اقتصادياً بعد البَدء برفع العقوبات، من شأنه خلقُ دينامية أميركية داخلية لا يستطيع الجمهوريون ردَّها، عندما يبدأ توقيع العقود.
تَعتبر أوساط أميركية أنّ بعض «الخلاف» مع الأوروبّيين، المتمثّل بالموقف الفرنسي، سببُه إحساسُهم بأنّ واشنطن قد لا تترك لهم إلّا القشورَ، فيما العقود الضخمة ستكون من نصيب الشركات الأميركية.
وتناقش أهمّية الإنجاز النووي، من ناحية كونه سيفاً كان ولا يزال مسلطاً على أمن المنطقة، فيما الملفات الأخرى مفتوحة على شتّى الاحتمالات.
لا أحد يناقش في ما إذا كان توقيع النظام الإيراني الاتفاقَ يعادل توقيعَ انتهاء شرعيته.
فهذا أمرٌ لا يمكن للإدارة الأميركية الحاليّة أو أيّ إدارة مقبلة أن تتوقّع تأثيراته. وتَجزم تلك الأوساط بأنّ العقل السياسي الأميركي بات لا يستسيغ الخيارَ العسكري لإنهاء الخطر النووي الإيراني، عِلماً أنّ أحداً لم يقدّم بديلاً منه.
وتشير إلى أنّ إثارة الهَلع وتعميمَه تخوّفاً من موقع إيران وحصّتها في «الإقليم» يحتاج تدقيقاً، لأنّ ما تقوم به في كلّ مِن العراق وسوريا ولبنان واليمن، لا يشكّل ربحاً حقيقياً.
إيران تسلك نموذجاً لطالما مارسَه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في علاقته مع الولايات المتحدة. فواشنطن لم تقُل له إذا كانت توافق على دخوله إلى لبنان أم تعارض، مثلما لم تبلغه موافقتها على الحرب ضدّ منظمة التحرير الفلسطينية عندما كانت في لبنان أو عندما هاجم مناطق النفوذ المسيحي عام 1977، أو عندما توَلّى تطبيق اتّفاقَ الطائف في بداية التسعينات. بل كانت تكتفي برسم خطوط حُمر لا يمكن تجاوزها.
سياسة «الغموض» نفسُها تمارَس مع إيران، فيما الوقائع السياسية والجغرافية هي التي ستتحَكّم بمستقبل المنطقة وبوَزنِ الأطراف الإقليمية فيها وبحجمِها.
هناك مَن يفسّر «البرودة» الأميركية في التعامل مع ما حدث في العراق الصيف الماضي، بأنّه سياسة لم تستهدف فقط محاولةَ إنتاجِ تسويةٍ عراقية على أنقاض تجربة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، بل وقياسَ مدى التورّط الإيراني المتمدّد في مناطق ودوَل نشَأت ونَمت عقب الحربَين العالميتين. فهذا التورّط سيصطدم حكماً بمتضرّرين كثُر، ليس أقلّهم الدوَل العربية وتركيا وحتى باكستان.
والإدارة الأميركية تبلّغَت بوضوح من تلك الاطراف معارضتَها دورَ إيران، وهناك مخاوف جدّية من أن تكبحَ تلك الأطراف مساهمتها في التحالف الدولي إذا لم يُستدرَك هذا الأمر. وما يحدث في تكريت نموذج تحت المراقبة، فيما تهمس أصوات بأنّ معركة الموصل قد تتأجّل طويلاً.
وتنظر تلك الأوساط إلى التصريحات الأخيرة لقادة المعارضة السورية نظرةً إيجابية، وكذلك الأمر إلى حديثهم عن صعوبة تحقيق الانتصار العسكري لأيّ من المتحاربين، وتشديدِهم على الحلّ السياسي الذي يحتاج تغييراً ميدانياً، من دون اشتراط خروج رأس النظام الذي سيأتي نتيجةً للمسار الانتقالي المَحكِيّ عنه.
وما قاله وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن ضرورة تغيير المعادلات الميدانية، وإلى جانبه نظيرُه الأميركي جون كيري في الرياض، قد يجد طريقَه للتطبيق في الفترة المقبلة، ما قد يُمهّد لتوافقٍ دوليّ بضرورة وضع حَدٍّ للأزمة السورية. لكن متى يتعَب المجتمع الدولي من شلّالات الدماء السوريّة والعراقية استتباعاً؟ سؤال لا إجابة عنه حتى الساعة.