لم يكن مفاجِئاً ما يجري على الحدود السورية – الأردنية لمَن اطّلع على حجم الخلاف بين وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ونظيره الروسي سيرغي لافروف حول دور إيران وحلفائها في سوريا المنطقة. فواشنطن تطالب بوضع حدٍّ له وتحجيمه فيما لم يُظهر الطرف الروسي أيَّ تجاوب. وهو ما يُفسّر سعي واشنطن لوضع خط طهران – بغداد – دمشق – بيروت بين فكّي كماشة أميركية. كيف ولماذا؟
قبل أسابيع استكشف فريق من الضباط الأردنيّين الكبار وآخرون من جنسيات مختلفة المنطقة الحدودية الأردنية الشمالية المحاذية للأراضي السورية بطول يمتدّ لعشرات الكيلومترات التي تربط المعابر البرية الأردنية بين «سوريا القديمة» والأردن وصولاً الى مثلث الحدود الأردنية – السورية – العراقية استعداداً لما يُسمّى بمناورات «الأسد المتأهّب» التي يُنفّذها الجيش الأردني في هذه المناطق بالتعاون مع عدد كبير من الجيوش من بلدان صديقة حليفة عربية وغربية من 18 دولة لهذا العام.
يستذكر خبراء عسكريّون تابعوا عن قرب هذه المناورات العسكرية السنوية الضخمة التي لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ انطلاقتها في حزيران 2011، أولى هذه المناورات التي تلت بأسابيع قليلة اندلاع شرارة المواجهات في الأزمة السورية في 16 آذار من ذلك العام في مدينة درعا، واستمرت سنوية تتنقل بين وسط الأردن وجنوبه وتوسعت لتشارك فيها وحدات رمزية من جيوش من 18 الى 23 دولة عربية وإسلامية وأميركية وجيوش من أوروبا ودول الخليج العربي من قوى الحلف الدولي ما عدا مناورة العام 2016 التي خُصِّصت للجيشين الأردني والأميركي دون غيرهما.
واللافت يقول الخبراء العسكريون إنّ مناورة العام 2017 تختلف عمّا سبقها من المسلسل الذي يواظب عليه المشاركون فيها سنوياً بلا انقطاع في الفترة الممتدة من آذار الى تموز من كل عام، فأضافوا الى سلسلة الأهداف المحدّدة في أمر العمليات الصادر عن قيادتي الجيش الأردني وقيادة المنطقة الوسطى الأميركية، هدفاً أساسياً وُضع تحت عنوان «الاستجابة السريعة لمكافحة الإرهاب ومواجهة أزمات النازحين واللاجئين المدنيين».
وذلك بعدما تعدّدت العمليات الإرهابية التي طاولت نقاطاً حدودية اردنية. وهو هدف اضيف الى جانب الأهداف الأخرى التي حدّدتها المناورات السابقة وهو تحسين قدرة الجيوش المشاركة على الاستجابة للأزمات الناتجة عن هجمات ارهابية بمواد كيماوية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية أو المتفجرات، والتدريب على العمليات الحربية الليلية والنهارية وموضوعات الضربة الجوية والمناورات والإسناد الجوي وعمليات النقل الإستراتيجي. بالإضافة الى التدريب النوعي ورفع كفاءة الضباط وكلّ وحدات المناورة وإدارة الأزمات.
والى هذه الملاحظات التي تميّز مناورات هذا العام، توقف الخبراء العسكريون عند معطيات إضافية ابرزها:
• نقل مسرح العمليات لمناورات هذا العام من جنوب الأردن ومنطقة البحر الميت الى الحدود الشمالية المقابلة للحدود السورية ما يقرّبها من حقل العمليات المقبلة.
• حجم الأسلحة المتطورة الجوية والبرية المشاركة فيها بما فيها طائرات إنزال ومدرعات من الجيشين البريطاني والأميركي وقوات دعم مختلفة من مختلف اشكال الأسلحة التي استعرضتها القوى المشاركة فيها.
• الكشف عن مشاركة وحدات من المجموعات السورية المسلحة بما يراوح ما بين 4000 و6000 مسلح أنهوا تدريباتهم في قواعد عسكرية أردنيّة وأخرى يُديرها ضباط أميركيون وألمان وفرنسيون من دول الحلف الممثلة في «غرفة الموك» العسكرية المشتركة التي تدير عمليات لدول الحلف في سوريا.
وعلى هذه الخلفيات، يلفت الخبراء الى أنّ مناورات هذه السنة شكلت اول خروج على تعهدات رافقت مناورات الأعوام الستة الماضية، ورفض ربطها بما يجري في الميدان السوري لتعطي أولى الإشارات الى احتمال التورط في الداخل السوري هذه المرة.
وهي أحداث وتطورات تزامنت مع الحديث عن المنطقة الآمنة في الجنوب السوري المقرَّرة بين مثلث الأراضي السورية – الأردنية مع الجولان المحتل ومثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية الى جانب مثيلاتها في الشمال والغرب السوري.
كما أنها تجري على وقع التهديدات الأردنية التي تحدثت عن احتمال دخول الأراضي السورية لحماية أمنها القومي، ورفض القيادة السوري لها وأيّ حراك عسكري للقيادة الأردنية وجيوش الحلفاء، في وقت يتحرّك الجيش السوري لتوسيع سيطرته على مناطق البادية السورية بهدف الوصول الى الحدود العراقية وفتح المعابر التي تربط البلدين والتي أُقفلت في وجه النظام منذ أواخر حزيران 2014 عندما إجتاحتها «داعش» وألغتها على مسافة تمتد اكثر من 570 كيلومتراً وسيطرت على اكثر من 11 معبراً رسمياً.
ويتوقف الخبراء أنفسهم أمام مستجدات أخرى تحدثت عن تحذيرات أميركية من تقدم الجيش السوري النظامي وأيّ وحدات أخرى تسانده خارج مناطق سيطرته الحالية على كامل مساحة الجغرافيا السورية في اتجاه أيّ مناطق إضافية مُنعت عليه منذ أن تمّ التفاهم على وقف اطلاق النار بعد موقعة حلب.
وبناءً على ما تقدّم، يربط الخبراء العسكريون ما يجري في الشمال الأردني فيعتبرونه رداً أميركياً مباشراً على رفض القيادة الروسية القيام بأيّ خطوة تطالب بها واشنطن لتحجيم دور إيران وحلفائها في سوريا وسحب الميليشيات الموالية للنظام الى العراق ولبنان وافغانستان وإيران، ما يضع الطريق بين بيروت ودمشق الى بغداد ومنها الى طهران بين فكّي كماشة اميركية.
واحدة جنوبية يجري التأسيس لها، الى جانب الفك الشمالي الذي ترجَمته بدعم قوى المعارضة السورية وآخرها الإعلان امس الأول عن بدء تسليح البيت الابيض وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بالأسلحة المناسبة الكافية للسيطرة على مناطق «داعش».