IMLebanon

طهران بين نار تل أبيب وجحيم واشنطن

 

في تصريح لافت لمستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، أعرب أن الولايات المتحدة الأميركية مستعدّة لفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي لن تلتزم حكوماتها بمطالبة الرئيس دونالد ترامب بوقف التعامل التجاري والمالي مع إيران، إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي رعته دول 5+1 في العام 2015. ويحمل هذا التصريح إنذاراً قوياً للدول الأوروبية المناهضة والمستاءة من الموقف الأميركي من أجل البدء جدياً بالتفكير في صياغة اتفاق جديد صارم يقطع الطريق على طهران لجهة طموحات أنشطتها النووية العسكرية، ويضع قيوداً على برنامجها الصاروخي العابر للقارات، ويلجم دعمها الجماعات الإرهابية العابرة الحدودَ التي تستخدمها مخلباً لزعزعة استقرار دول المنطقة ومحاولة السيطرة على سياساتها ومقدراتها.

 

 

وفي حين تبدي الدول الأوروبية الراعية للاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) امتعاضاً شديداً من التشدد الأميركي، يبدو أنها بدأت تبحث عن طرق خلفية بحيث تساعد شركاتها التي لديها تعاملات تجارية مع إيران في الإفلات من العقوبات الأميركية، وهي قد تكون على شكل إعفاءات استثنائية أو طلب تأجيل للخروج من العقود والالتزامات مع الشركات الإيرانية لضبط الخسائر المتوقعة والمقدرة بمئات البلايين.

 

ولو افترضنا أن الولايات المتحدة ستخفف من قبضة تشددها من أجل ضمان مصالح حلفائها الأوروبيين، إلا أن الأمر القطعي وغير القابل لأي تعديل البتة هو قائمة الثوابت الأميركية التي طالبت بها واشنطن غريمتها طهران، وعلى رأسها: تخلّي إيران عن مواقفها العدوانية من جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، ووقف دعمها «حزب الله» الذي كان الشريك الأساسي في دعم آلة بشار الأسد العسكرية الموجهة ضد المدنيين من أبناء سورية، ووقف شحنات الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ الباليستية التي ترسلها للجماعات الحوثية في اليمن لتقويض الاستقرار في دول الخليج، لا سيما في المملكة العربية السعودية، وأخيراً وليس آخراً إنهاء الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة وحلفائها والامتناع الفوري عن تهديد السفن العسكرية الأميركية في الخليج العربي وبحر عدن والتوقف عن ترديد شعارات تدمير إسرائيل والخطاب التحريضي ضدها.

 

لكن، ما هي المنعكسات في الطرف الآخر من المعادلة الصعبة على مترتبات الانسحاب الأميركي المدوّي من اتفاق فيينا؟

 

لا يخفى على القارئ الحصيف للمشهد السياسي الدولي أن إيران تعي تماماً مأزق الأوروبيين، وأنه لا يمكنهم أن يقدموا لها الكثير بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق رغم إعلانهم عن تمسكهم به. فالدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني ستجد صعوبات كبيرة في التعامل مع طهران في المستقبل القريب وذلك مرده للعقوبات الكبيرة التي ستفرضها الولايات المتحدة على إيران حيث ستطاول دورة المال للشركات التي تتعامل معها. وإيران تعي تماماً أن حلفها الإقليمي المصلحي والمحدد مع تركيا وروسيا لا يمكنها صرفه خارج الحدود السورية البتة، وهو مرتبط بحالة تقترب من التسوية السياسية بين الدول الضامنة الثلاث في مؤتمرات آستانة المتلاحقة، ودائماً على حساب الحق السوري الذي غدا مرتهناً لدى الدول. وأن الولايات المتحدة يمكنها أن تخترق ذاك الحلف الثلاثي في أي وقت تشاء، وليس تاريخ الضربة العنيفة التي وجهتها للمواقع العسكرية الإيرانية في سورية بتاريخ 15 نيسان (أبريل) ببعيد.

 

أما إسرائيل، حليف أميركا، فقد سارعت وضربت بقوة المواقع العسكرية الإيرانية وراداراتها في العمق السوري بعد ساعة واحدة فقط من إعلان الانسحاب الأميركي من الاتفاق الإيراني، وهي برأيي ضربة تهدف سياسياً إلى توجيه رسالة قوية لطهران بأنها مستعدة لمنازلتها في سورية متى شاءت، وتهدف عسكرياً إلى تنظيف سورية من الوجود العسكري الإيراني استعداداً لمواجهة مباشرة ‏وشاملة مع طهران وعلى أرضها.

 

فصل المقال: هل ترتدع طهران وتقرأ وتستفيد من درس بيونغ يانغ النووي، أم هي ماضية في صلفها الذي ستدفع ثمنه غالياً، ثمناً لا نريده للشعب الإيراني الذي لا حول له ولا قوة!

 

* كاتبة سورية