Site icon IMLebanon

طهران تتحدى الملل

 

بين كلام ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الأخير لصحيفة «الشرق الأوسط»، والتأكيدات المتكررة للإدارة الأميركية ومن خلفهما المجتمع الدولي بأن أحداً لا يريد حرباً مع إيران، بدأت تظهر على القيادة الإيرانية عوارض الإصابة بداء «الملل الاستراتيجي». والملل حالة مرضية تصيب الإنسان نتيجة فشله في تحقيق أهدافه أو شعوره بالإحباط، فتتسبب بحالة نفسية تؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي وإلى وضع نفسي قلق يزيد من النظرة التشاؤمية للحياة. وفي الحالة الإيرانية المستعصية منذ 40 عاماً، وصل مستوى الملل الإيراني إلى مرحلة استراتيجية، أدت إلى تعميم حالة التشاؤم السياسي في المنطقة بسبب عدم الاستقرار النفسي للنظام الإيراني، الذي يرى العالم من حوله يتغير ولا يريد أن يتغير. وهو مُصر على ممارسة أسلوب الابتزاز السياسي والاستراتيجي للوصول إلى غاياته لكن من دون جدوى، ففي تحدٍ واضح للملل الذي يصيب صناع القرار في طهران، قام «مجهولون» للمرة الثانية بضرب قاعدة «بيجي» الجوية في العراق بصاروخ كاتيوشا، حيث يوجد خبراء من الولايات المتحدة لتدريب الطيارين العراقيين، لكن الاعتداء استهدف الجهة التي يوجد فيها جنود عراقيون، هذا الأسلوب في الاستهداف تكرر عندما ضرب محيط السفارة الأميركية في بغداد، مع العلم أن المُطلق كان باستطاعته أن يصيب السفارة بسهولة، لكنه يتجنب الوقوع في خطأ استراتيجي كهذا خوفاً من دفع ثمن باهظ، وفي آخر عوارض الملل الاستراتيجي الإيراني، قرار طهران تخفيف التزاماتها ببعض بنود الاتفاق النووي، وإعلانها زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة 3.7 في المائة أو اللجوء إلى رفع مستوى التخصيب إلى نسبة 20 في المائة، والإعلان عن الاستعداد لطرح جزء من الماء الثقيل للبيع في الأسواق العالمية. مبررات الخطة النووية الإيرانية رداً على ما وصفته طهران بعدم التزام الدول الأوروبية بحمايتها من انعكاسات العقوبات الأميركية عليها، وهذا ما جاء صراحة على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال إنه «لم يعد أمام أوروبا متسع من الوقت لإنقاذ الاتفاق النووي»، مضيفاً أن «انهيار الاتفاق النووي ليس من مصلحة المنطقة والعالم»، هذه الخطوة الإيرانية التي وصفها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي غاريت ماركيس بالابتزاز النووي، تبرهن على فشل إيراني جديد في إثارة هلع الأوروبيين ودفعهم للطلب من واشنطن ممارسة ليونة تفاوضية مع طهران تحت ذريعة الحفاظ على التزامها بالاتفاق النووي. فيما تطمح طهران من خلال مهلة الـ60 يوماً التي أعطتها للأوروبيين قبل إعلان انسحابها من الاتفاق النووي إلى فرصة للعودة إلى حصر الحديث ببنود الاتفاق النووي الذي من الممكن أن تقدم طهران تنازلات إضافية وقاسية في مضمونه مقابل حصولها على ضمانات أميركية في تخفيض الشروط الـ12 التي وضعها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتي تقيد نفوذها الإقليمي.

طهران محبطة بسبب فشل أساليبها التكتيكية التي اعتمدتها عبر وكلائها في المنطقة للرد على واشنطن بعد البدء بتطبيق العقوبات الأميركية عليها وتصفير صادراتها النفطية، حيث لم تنجح عمليات الاحتكاك الخشن التي تمارسها ضد أهداف حيوية إقليمية ودولية في منطقة الخليج العربي في نشر الذعر عالمياً من احتمال وقوع حرب مفتوحة تزعزع الاستقرار الدولي وتهدد منابع وممرات الطاقة وتؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية، بسبب ارتفاع جنوني في أسعار الطاقة، وهذا ما تطرق إليه الكاتب اللبناني خير الله خير الله في مقاله في صحيفة «العرب» اللندنية تحت عنوان «سعر النفط يكشف إيران»، حيث قال: «في الواقع، تغيّر العالم إلى درجة لم يعد اعتداء على ناقلات في الخليج يؤثر على الأسعار. هناك وفرة نفطية كبيرة في العالم. لا يزال الخليج مهمّاً كمصدر للطاقة، لكنّ التحكّم بأسعار النفط صار في مكان مختلف. صار في أميركا تحديداً»، فالهدف الإيراني من الاحتكاكات الخشنة جعل الولايات المتحدة تمارس بعض الليونة في العقوبات والمفاوضات مقابل أن تتوقف طهران عن استفزازاتها في منطقة الخليج العربي.

يقول علماء النفس إن الإنسان بيده القدرة على الخروج من حالة الملل الذي يسيطر عليه ويمنعه من التجديد والتغيير، لكن الحالة الإيرانية حالة مزمنة تحتاج إلى أطباء وحكماء لم يعودوا متوفرين داخل إيران من جهة، ومن جهة ثانية يسيطر على قيادة النظام ذعر غير مبرر من الاستعانة بالخارج خوفاً من اكتشاف حالة المريض، التي على ما يبدو باتت في مرحلة ميؤوس منها.