خاص – اسطنبول:
تحتدم المواجهات في المنطقة العربية بوجهها المذهبي الكالح، ومع ارتفاع حـدّة الصراع، يرتفع مستوى الاحتقان السياسي، ومنسوب الممارسات التقسيمية، من العراق إلى لبنان، مرورًا بسوريا، في حين يبدو أن طهران قرّرت أن تفتح تدريجيًا، الحرب مع محيطها العربي والإسلامي، نتيجة خسائرها المدوية.
ففي سوريا تتوالى الخسائر الفادحة لحليف طهران بشار الأسد، وتتراجع سيطرته إلى 20% من الأراضي السورية، في حين تحرز المعارضة («جيش الفتح» وجبهة النصرة)، ويتقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» نحو آفاق استراتيجية تتيح له إحراز مزيد من التقدم، على الأراضي السورية.
وفي العراق، لم يعد لدى النظام المتعاون مع الولي الفقيه إلا الاستعانة بـ «الأولياء».. ليتمكن من الحفاظ على وجود مندوبيه في السلطة العراقية، التي تمعن في العنصرية المذهبية الوقحة، إلى درجة منع أهل الأنبار (السنة) من ولوج عاصمتهم، حيث صرّح قائد عمليات بغداد أنه «سيكون هناك كفيل لمن يرغب في دخول بغداد من النازحين من الأنبار، ولسنا مع الدخول العشوائي».
وفي اليمن، يستمر العجز الإيراني عن استنقاذ عصابات الحوثيين الانقلابية، ويستمر التحالف العربي في سدّ المنافذ أمام عودة التدخل الإيراني، فيما المقاومة تتدرج في تنظيم صفوفها، وبدأت تحقق تقدماً ملموساً، بانتظار اكتمال إعادة تشكيل الجيش اليمني، وهي خطوة باتت وشيكة.
وفي لبنان، وعلى عكس دعاية «الانتصار الكاسح» التي بذل من أجلها «حزب الله» الكثير من الجهود، للإبقاء على شيء من معنويات عناصره وجمهوره، بات الأمين العام للحزب يتحدث عن: حماية الوجود، والخشية من السبي، وعن ضرورة التضحية بثلاثة أرباع الشيعة…
طهران: المأزق يتضخم
يتضخم المأزق الإيراني في المنطقة، ويتزايد توتر القيادة الإيرانية، التي حدّدت بوضوح أن العدو بات الآن: المملكة العربية السعودية، تركيا، وقطر، وهو ما أشار إليه نصرالله عندما قال إن «الوضع يحتاج الى تضحيات كبيرة لأن الهجمة كبيرة، فقد انتهى الخلاف بين السعودي والقطري والتركي، والكل الآن في المعركة ضدنا»، مع ضرورة استذكار تصريحه عندما هدّد بأن ما أسماه الحرب على إيران سوف تتدحرج إلى دول المنطقة.
لقد بات المسار واضح المعالم، وبتنا نواجه مجموعة وقائع وخطوات مرتقبة وممارسات متوقعة، تتضمن الآتي:
– إن إيران بدأت تشعر باختناق أذرعها في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق، وبات يراودها شيطان الفتنة، موسوسًا، بدفعها إلى استعمال القوة في أماكن تفوقها القليلة المتبقية، وتحديدًا في لبنان، حيث تتصاعد روائح الانقلاب النتنة، وتلقى ترويجًا لها، لأخذ لبنان رهينة مقابل الخسائر الإقليمية التي تُمنى بها القيادة الإيرانية.
– ان خيار إثارة الاضطرابات الداخلية في كلٍ من المملكة العربية السعودية وتركيا، بات حاضرًا لدى جدول أعمال عاصمة الولي الفقيه، بحيث تستخدم طهران أدواتها لإثارة النعرات والاشتباكات المذهبية، وتهديد الأمن وتقويض الاستقرار.
وحسب مصادر إسلامية متابعة للتطورات الأخيرة، فإن القرار الإيراني بإشعال الفتنة في داخل الأراضي السعودية والتركية، قد اتخذ فعلاً، وهي ستأخذ أشكالاً متعددة، منها التظاهر العنيف وإثارة الفوضى والشغب، فضلاً عن العمليات الأمنية التخريبية، من اغتيال وتفجير وعصيان.
ففي السعودية، ستدفع طهران من يتبعها من الشيعة إلى الاصطدام بمحيطهم، وكذلك ستستخدم بعض الجماعات المخترقة لإرهاق قيادة المملكة وإحراجها أمام شعبها.
وفي تركيا، سيتم استغلال المجموعات اليسارية المتطرفة، وبعض المجموعات الكردية، للزجّ بها في أعمال عنف ميدانية، غايتها نقل تركيا إلى مرحلة الاضطراب والتشكيك في القدرة على التماسك والاستقرار.
ستستعمل إيران أذرعها الأمنية والشعبية لتوتير الأجواء في السعودية وتركيا، واستعمال هذه الأحداث المتوقعة في المساومات القاسية المفتوحة، مستخدمة كل الأدوات المتاحة، وهي في الحقيقة تمتلك أدوات فاعلة، كونها مدعمة بالقدرة على الإيذاء الأمني، لكنها بذلك تتصرف كمن يلعق المبرد، وهي تبدو كالمُصِرّ على عدم الإفادة من درس ما حصل حتى الآن، وخلاصته أنه يستحيل عليها تحقيق أي انتصار فعلي في الحرب المذهبية، بل إن ثمن هذا الصراع شديد الفداحة. وفي المقابل، من الخطأ الاعتقاد بأن العرب والأتراك سينتظرون اشتعال مدنهم واضطراب أمنهم، بل سيبادرون إلى التعويض عن تقصيرهم المزمن تجاه العرب والسنة في إيران، ودعمهم لاسترداد حقوقهم المهضومة، والتخلص من حكم فارسي يحتل أرضاً عربية سليبة، لا يمكن أن تتحوّل إيرانية مهما طال الزمن.
————-
* رئيس هيئة السكينة الإسلامية.