ليس من المنطقي الفصل بين ما يحدث في سوريا واليمن وجاراتهما، فالحلف الدَولي الذي يخوض المواجهة في سوريا بقيادة مشتركة مالية سعودية، وعسكرية أميركية وغربية، هو نفسه في اليمن. لذلك فإنّ وضع يد الحوثيين على الحكم في صنعاء خطوة أولى. فما الذي يمنع من أن يكون رداً على عملية القنيطرة؟ وعلى أساس أيّ معادلة؟
لم يتردّد مرجع ديبلوماسي يدعم النظام السوري في الربط بين حصيلة الغارة الإسرائيلية على القنيطرة وما شهدته صنعاء، عندما استعجل الحوثيون وضع اليد في ساعات قليلة على ما تبقى من سلطات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته الذي وُلد من رحم اوّل الإنتصارات الحوثية في البلاد.
تجرّأ الحوثيون على دخول القصر الجمهوري وسحب مدير مكتب الرئيس اليمني في خطوة مفاجئة، لم تكن مقبولة بأيّ شكل من الأشكال، وكان يمكن أن لا تمر بالطريقة التي عبرت لولا تردّدات العملية التي نفذتها إسرائيل في القنيطرة وما ألقته من ظلال عندما كشفت هوية ضحاياها ولا سيما منهم القيادي الإيراني المكلف ملف سوريا ورأس حربة الجناح العسكري الإيراني.
ويضيف الديبلوماسي أنّ القيادة التي اختارت توقيت المرحلة الأولى من انقلاب الحوثيين قرأت اللحظة الدولية والإقليمية المناسبة للردّ على الحلف الدَولي الذي تُواجهه بأقصى قدراتها في سوريا ممثلاً بقيادته المشتركة الأميركية والسعودية في آن، الأولى التي ترعى الخطوات الإسرائيلية والثانية التي تعوق استكمال سيطرة الحوثيين على السلطة في منطقة هي الأكثر حساسية بالنسبة اليها.
وأضف الى ذلك، يستطرد الديبلوماسي، أنّ العملية التي بدأت بخطف مدير مكتب الرئيس من عمق مربع القصر الرئاسي لم تكن بالمصادفة ولا خطأ، فهي عرفت مَن إستهدفت، إذ له اليوم اليد الطولى في إدارة شؤون البلاد، ليس بقربه فحسب من الرئيس الإنتقالي، بل لأنه من الشركاء في صنع القرار وهندسة مواقف الرئيس، وطرف أساسي في التجاذبات الداخلية حيال الإصلاحات الدستورية التي أرادها الحوثيون بداية لمخطط وضع اليد على السلطة، وقد فهم منصور هادي هذه الرسالة فوراً على قاعدة «أُكِلتُ يومَ أُكِل الثور الأبيض».
وبناءً على ما تقدم، اعتبر الديبلوماسي نفسه أنّ ايران ردت بالسرعة القصوى على عملية القنيطرة بِيَد من حديد ومن موقع القوة قبل أن تسارع ديبلوماسيتها الباردة الى عرض مشروعها للتفاوض والحوار والتفاهم مع القيادة السعودية من موقع المنتصر من دون إنتظار ردٍّ منها.
لذلك، يبدو الحديث عن المرحلة المقبلة مغلّفاً بمفاجآت كثيرة. فالقراءات الديبلوماسية لما حدث في اليمن تفيد انه سينعكس حتماً على مجمل الوضع في سوريا ولبنان طالما أنّ الملفات باتت متشابكة الى هذا الحدّ من التعقيد.
ولذلك سيكون ملف لبنان، الذي بات ورقة في ملفات المنطقة، مجمَداً الى حين، وستُعلَق كلّ خطوات الإنفراج الى مراحل لا يستطيع أحد أن يتكهن بمواعيدها، خصوصاً على مستوى الإستحقاق الرئاسي.
ويبدو أنّ المراجع الديبلوماسية قد أعادت النظر في أولوياتها اللبنانية، فعادت الى نقطة الصفر وبات الهم – طالما أنّ الرعاية الدولية ما زالت متوافرة – السعي الى ما يضمن الحدّ الأدنى من الإستقرار السياسي والحكومي والأمني في البلاد.
وقد تركزت المساعي على حماية الحكومة اولاً والتشجيع على استمرار الحوار ما بين السنّة والشيعة مع استمرار الضغط في اتجاه حوار مسيحي – مسيحي يخفف وهجَ الإحتقان الداخلي ويمرّر الوقت في ظلّ فقدان بشائر الإنفراج.
وتأسيساً على ما تقدّم، يطمئن الديبلوماسي الى أنّ لبنان لن يتلقى حتى اليوم أيّاً من ترددات «عملية القنيطرة». فـ«الستاتيكو» القائم لن يتبدل لألف سبب وسبب. فلا يكفي أنّ هناك إجماعاً على رفض استخدام الأراضي اللبنانية في أيّ ردّ، ذلك أنّ حزب الله يتفهم هذا الواقع ويعرف مخاطر استدراج الساحة اللبنانية الى مثل هذه المواجهة، وقد ساد صمت ملحوظ على مستوى قيادته في مرحلة ميزتها الترقب والحذر مما هو آت.
فليس مضموناً أنّ ما قامت به إسرائيل سيقف عند هذا الحد، وما على المعنيين سوى الترقب والحذر في مرحلة هي الأدق ولن يظهر فيها الخيط الأبيض من الأسود قبل أن تستقر المواجهة على معادلة واضحة تأسيساً على مضمون الرسالة الإيرانية الى مَن يعنيه الأمر في سوريا، ومفادها «صنعاء اولاً والبقية تأتي لاحقاً».