IMLebanon

طهران… جزء من التحالف الدولي

دخلت سوريا مع التدخّل العسكري الروسي والمؤتمر الدولي في فيينا ديناميةً سياسية جديدة يَصعب تقدير مؤدّياتها اعتباراً من الآن، غير أنّ الأكيد أنّها طويلة، ولكنّ اللافت فيها بلوغ الأزمة السورية التدويلَ عن طريق موسكو، وانضمام طهران للمرّة الأولى إلى الشرعية الدولية، ما يؤكّد دورَها الجديد بعد الاتفاق النووي.

المؤتمر الدولي حول سوريا في فيينا يجسّد أوضح تعبير عن تدويل الأزمة السورية، والتدويل وفق التجربة النووية الإيرانية لم يكن لصالح محور الممانعة، حيث أثبَت المجتمع الدولي بأنّه يُمهل ولا يُهمل، فنجَح بإلزام طهران ولو بعد مفاوضات طويلة وشاقّة بالقوانين الدولية، ولم يكن في وارد التراجع عن ممارسة أقصى الضغوط والعقوبات قبل تراجُع إيران التي وجَدت نفسها أمام خيارين: الفوضى وانهيار نظامها أو التخلّي عن القنبلة النووية، فاختارت بالتأكيد الخيارَ الثاني وانتقلت من مرحلة العَداء مع المجتمع الدولي إلى مرحلة التعاون.

فالتدويل إذاً لا يصبّ في خانة النظام السوري ولا محور الممانعة، إنّما العكس هو الصحيح، حيث استفاد هذا المحور من غضّ النظر الدولي للحفاظ على نفوذه ودوره داخل سوريا، وبالتالي التدويل سيُساهم في الحدّ من هذا النفوذ وصولاً إلى التسوية التي تحترم المعايير الدولية والتوازنات الإقليمية.

والفضلُ في التدويل يعود إلى موسكو التي هناك مَن راهنَ بأنّ تدخّلها سيرجِّح كفّة محور الممانعة، فيما الهدف مِن تدخّلِها منعَ انهيار النظام السوري حفاظاً على التوازنات السورية والإقليمية التي تبقيها كأحد اللاعبين، لأنّه خلاف ذلك تصبح سوريا أمام مشهد جديد ومختلف تماماً.

وإذا كانت بعض التقارير ربَطت التدخّل الروسي بمنع انهيار النظام السوري، فإنّ تقارير أخرى وضَعت هذا التدخّل في سياق الاتفاق الملحَق-السرّي للاتفاق النووي بين واشنطن وطهران والقاضي بأن تبدِّل إيران وتعدِّل في سياستها الإقليمية من الاستثمار بالحرب إلى الاستثمار بالسِلم، وتشير تلك التقارير إلى ثلاث وقائع تؤكّد هذا المنحى: الواقعة الأولى، الدخول الروسي على الخط السوري حصَل بعد الاتفاق النووي لا قبله، وهذا ليس تفصيلاً.

الواقعة الثانية، إخلاء طهران الساحة السوريّة لموسكو لم يحصل فقط نتيجة تطوّرات عسكرية حاسمة للمعارضة السورية، بقدر ما جاءَ حصيلة تفاهمٍ مع الأميركيين بأنّ الحل السوري غير ممكن في ظلّ استمرار طهران في دور رأس الحربة في سوريا، لأنّ موقعَها المذهبي لن يسمح بالانتقال إلى مرحلة البحث عن تسوية، فيما الدور الروسي يَحظى بموافقة كلّ الأطراف، وتحديداً السعودية وطهران.

الواقعة الثالثة، التزامن بين الانخراط العسكري الروسي، وبين الدعوة لمؤتمر دولي لبحث الأزمة السورية، وهذا التزامن يؤشّر بوضوح إلى أنّ الدعوة للمؤتمر مخطّط لها ومعَدّة مسبَقاً، خصوصاً أنّها لم تأتِ نتيجة تطوّرات عسكرية حاسمة أو نجاح موسكو بتغيير الوقائع على الأرض، بل جاءت مباشرةً بعد انطلاق الحملة العسكرية، فضلاً عن أنّ هذا النوع من المؤتمرات الدولية يكون حصيلة تفاهم وتنسيق ومفاوضات تستلزم وقتاً وشهوراً، ما يعني أنّ كلّ ما حصَل متّفَق عليه.

وفي موازاة الوقائع المذكورة، إشراكُ طهران في المفوضات السلمية يؤشّر إلى أمرَين: رغبة إيران في أن تكون جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع الدولي الساعي إلى إيجاد الحلول للأزمات المتفجّرة، سيّما في منطقة الشرق الأوسط. ويقتضي التنويه أنّها المرّة الأولى التي تشارك فيها طهران في مؤتمر دولي جنباً إلى جنب مع «الشيطان الأكبر» والدوَل الغربية الأخرى، ما يَعني انتقال طهران ما بعدَ النووي إلى سياسة جديدة وتوَجُّه مختلف، وذلك بمعزل عن اللغة المستخدمة التي تنتمي إلى المرحلة السابقة وتتعارض مع النهج الجديد الذي تعتمده.

والأمر الآخر رغبةُ المجتمع الدولي في توجيه رسالة واضحة إلى طهران بأنّ تخَلّيها عن دورها السابق يضَعها على أيّ طاولة مفاوضات تتّصل بوضع المنطقة ومصيرها، أي إخراجها من العزلة إلى دور الشراكة. ولا شكّ في أنّ سلوكها في الأزمة السورية المساهِم، لا المعرقل، سيعزّز دورَها الجديد.

وما تقدّمَ يعني أنّ طهران باتت تدرك جيّداً أنّ المعبر لنفوذها ودورها الإقليميّين هو في أن تكون على تفاهم مع المجتمع الدولي وليس على نقيض وخلاف معه، خصوصاً أنّ تجربتها في السنوات الأخيرة دلّت بالوقائع إلى عدم امتلاكها أيّ ورقة بشكل كامل، بل إنّ مواصلتها النهجَ السابق ستُفضي إلى خسارتها هذه الأوراق أو استمرار النزاع حولها بالحد الأقصى.

وإنْ دلّ ما تقدّم على شيء، فعلى أنّ مشاركة طهران في فيينا تعني بالملموس أنّ الدور الإيراني بعد النووي غيرُ ما قبله، وهذا لا يعني وقفَ شدّ الحبال ومحاولة كلّ دولة أو محور الإبقاءَ على أوسع نفوذ ممكن، ولكن هذه المرّة تحت السقف الدولي لا خارجَه.

فمؤتمر فيينا يؤشّر إلى انتظام كلّ الدوَل تحت سقف الشرعية الدولية، بمن فيها موسكو وطهران، من أجل إيجاد حلّ للأزمة السورية، وهذا الحلّ الذي يستند إلى المعايير الدولية لا مكان فيه للرئيس السوري، فيما إشراكُ روسيا وإيران في المفاوضات للوصول إلى هذا الحلّ يشكّل إقراراً دولياً بدورهما في سوريا والمنطقة، وهذا الإقرار يشكّل بدوره البديلَ التعويضي لهما عن الأسد.

وإذا كانت الظروف الدولية للحلّ السوري أصبحَت متوافرة، فهذا لا يعني أنّ الحلّ آتٍ غداً، إنّما يعني أنّ الأزمة السورية وُضِعت على سكّة الحلّ التي تتطلّب سنوات عدّة لبلوغ السلام المنشود.