لن تكون هناك حلول جدّية للأزمة اللبنانية قبل الوصول الى «تفاهم» سعودي – إيراني. هذا التفاهم بحسب مصادر سياسية بارزة، بعيد الآن، والعلاقة بين الطرفين مرشَحة لمزيد من التصادم وليس العكس.
كلّ المعطيات والأجواء التي سرت في الاسبوعين الاخيرين تبدَّدت. الاشتباك السعودي – الايراني في الاقليم في ذروته، ومن المرجَح أن يشتدّ في كلٍّ من اليمن وسوريا عسكرياً، وفي لبنان سياسياً، ما يعني أنّ ما تحدّث عنه الاميركيون والفرنسيون وغيرهم من الديبلوماسيين، لم يعد صالحاً.
حتى في الداخل هناك جهاتٌ حاولت الاستفادة من أجواء «ما بعد الاتفاق» بين إيران والغرب، ويبدو أنّ جهودها وصلت الى طريق مسدود، ولهذا السبب عاد الحديث عن «تفعيل الحكومة وتزخيمها» لأنّ مَن يقف خلفها يرى مزيداً من التصلّب في المواقف، خصوصاً في مواقف الرياض تجاه طهران وما يمتّ اليها بصلة.
تقول المصادر إنّ «الرياض لا تزال ترى في مشهد المنطقة كوّة تستطيع النفاد منها لمواجهة إيران من جهة، وطرح نفسها زعيمة العالم الاسلامي السنّي بدلاً من تركيا من جهة أخرى. واقعية واشنطن مع طهران لم تسرِ على حليفتها السعودية».
الادارة السياسية السعودية تعمل اليوم على تجميع الاوراق، ومنع إيران من صرف الاتفاق مع الغرب مزيداً من النفوذ في المنطقة. التقدّم العسكري في اليمن وبعض المناطق في الشمال السوري يُعزّز مكانة أصحاب نظرية الصدام مع طهران.
في العاصمة السعودية ثمّة مَن يقول إنّ أيّ تفاهم جوهري وحقيقي مع طهران لن يتمّ قبل خلق توازن ميداني وسياسي معها، ليس في اليمن وحسب، بل في سوريا ولبنان والعراق أيضاً. وهذا ما لن يتم قبل تحقيق مزيد من الانجازات وإستنفاد فترة «الانشغال الاميركي» المقبل بالانتخابات الرئاسية.
ما يعني أنّ أيّ حلول جدّية لن تتوافر ظروفها قبل عام ونصف تقريباً، وبعد أن تأتي إدارة أميركية تُحدّد سياسات واشنطن تجاه كلّ ملفات النزاع في المنطقة.
في المقابل إيران ليست مستعجلة وتعرف أنّ التشدّد السعودي قد يطول. حلفاؤها على الارض في وضع جيّد، وموقعها السياسي الوازن والفاعل بات محلّ إعتراف عالمي. صحيحٌ أنها ترغب بتفاهمات مع الرياض تؤمّن الاستقرار في أكثر من منطقة في الاقليم.
لكنّها لا تجد في الادارة السعودية الجديدة ومنطقها السياسي شريكاً يمكن إنجاز التسوية معه. واشنطن بذاتها تعبَت من المواجَهة والتفاوض مع إيران، فكم ستأخذ السعودية من وقت حتى تتفاهم مع طهران؟
أولويات إيران حالياً بحسب المصادر نفسها، تثبيت نفسها لاعباً إقليمياً ودولياً، والانصراف الى تثبيت الجبهة الداخلية لمواجهة موجة جديدة متوقعة من «الحرب الناعمة». وهذا ما شكّل فحوى الخطاب الذي ألقاه مرشد الجمهورية السيد علي الخامنئي أخيراً.
المشهد الإقليمي يبدو في هذه المرحلة كالآتي: إيران ما بعد مرحلة الاتفاق ورفع العقوبات. تركيا والفشل المستمرّ بين سوريا والعراق. إسرائيل ضعيفة لكنّ مشروعها يسير بقوة في كلّ المنطقة وهو التفتيت والتقسيم. السعودية منشغلة بحرب اليمن.
الافضل لكلّ دول الاقليم ما عدا إسرائيل الشروع في إختبار إحتمالات التفاهم والتسوية. إيران تملك مجموعة من أنصاف الاوراق وتحتاج شريكاً لتصبح الاوراق كاملة. تركيا قادرة على لعب دور محدود في هذه الشراكة بحكم دورها في الازمات وموقعها. أما السعودية فليست أقل قدرة على لعب دور الشراكة الايجابية.
في هذه الاثناء، وحتى يقتنع الجميع بأنّ مصلحتهم البحث في الشراكة في ما بينهم، فإن كلّ الملفات معلَّقة ومنها الملف اللبناني حيث يعتقد كثيرون أنّ موضوع «المؤتمر التأسيسي» قد يصبح مدخلاً إلزامياً الى كلّ الحلول.