تُواصل إيران مدّ نفوذها الأمني والسياسي في منطقة الشرق الأوسط مستفيدة من تهديدات «داعش» للدول والأنظمة من جهة، وغياب الإستراتيجية الأميركية الواضحة من جهة ثانية، فيما لا تزال تخوض مفاوضات هادئة مع الخمسة زائد واحداً. وتجد الدول العربية المناوئة لسياسة التوسّع الخارجية الإيرانية، نفسها مطوّقة جغرافياً بالحروب والإضطرابات، ومحاصرة بالتهديدات.
والحصار يلفّ الخليج من ثلاث جهات:
1 – شمالاً من النزاع الدموي في العراق، حيث هناك حدود مشتركة مع الأردن والسعودية والكويت.
2 – جنوباً من الحرب اليمنية التي يعرف الجميع كيف بدأت، غير أن أحداً لا يعرف كيف ستتطوّر وإلى أين ستصل. وهناك حدود مشتركة مع السعودية مباشرةً ومع سلطنة عمان، وتهديد لباب المندب الذي يُهدّد المصالح المصرية، وقد يُسبّب حرباً إقليمية إذا أقفله «الحوثيون» أو استخدموه سلاحاً في معركتهم على مستوى المنطقة.
3 – شرقاً، حيث تواجه إيران مباشرةً دول الخليج. غير أنّ هذه البقعة الجغرافية تبقى الأكثر إستقراراً لحسابات تتصل بالخطوط الحمر التي تضعها الولايات المتحدة الأميركية في ما يتعلّق بسلامة تصدير النفط من خلال مياه الخليج ومضيق هرمز.
وتشعر دول هذه المنطقة بأنها أصبحت محاصَرة بتهديدَين أحلاهما مرّ: تهديد «داعش» الذي لا يُظهر الغرب عجلة في القضاء عليه، على رغم الفظاعات التي يرتكبها، من سوريا إلى العراق وليبيا.
وتهديد إيران، التي تطرح معادلة التعاون في مكافحة الإرهاب ومحاربة «داعش»، أو مواجهة التهديدات منفردين، خصوصاً وأن حلفاء طهران يُشكلون عازلاً جغرافياً وعسكرياً بين حدود هذه الدول و«داعش».
لكن المشكلة تكمن في الثمن السياسي الذي تطمع طهران إلى قبضه، ما يُكرّس نفوذها من جهة، ويجعلها لاعباً أساسياً وكبيراً في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في المنطقة.
في المقابل، صحيح أن الدول العربية لا ترتاح إلى تطويق دول الخليج بنيران الحروب والإضطرابات على حدودها من الشمال والجنوب، لكنها في الوقت ذاته لا تخشى تهديدات «داعش» كثيراً، وهي جزء من قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وحليف استراتيجي للولايات المتحدة والغرب، كما أنها، وإن التقت مع طهران على محاربة «داعش»، لا تجد نفسها مضطرة لدفع أثمان سياسية لطهران، ولا إلى التسليم بنفوذها المطلق وهيمنتها على دول المنطقة.
هذا المشهد المستجد، هو جزء من لعبة الكر والفر حيث تتعرّض الدول غير المتماسكة إلى شتى أنواع الإختبار. فاليمن مثل ليبيا، كلاهما يُواجه حالاً من ثلاث: التقسيم أو الحرب الأهلية، أو مصير الدولة الفاشلة.
وسوريا كما العراق، الأولى فقدت خمسين في المئة من مساحتها، والثانية خسرت نحو ثلث مساحتها… وما زال البعض يحتفل ببقاء النظام.