هل تنفيذ الطيران الحربي الإيراني غارات على مواقع تنظيم «داعش» في العراق يعكس تبدّلاً سياسياً في علاقة طهران مع قوى التحالف الدولي؟ سؤال طُرِح بقوة في اليومين الأخيرين، بعد تأكيد وزارة الدفاع الأميركية نبأ قصف طائرات إيرانية، من طراز «فانتوم أف 4» أهدافاً شرق العراق.
في الأساس، هناك مَن يتحدّث عن «شوشرة» سادت أروقة البنتاغون، حيث حرص المتحدثون بإسمه على نفي النبأ الذي تسرّب إلى وسائل الإعلام، قبل أن يتأكد في بيان رسمي صدر مساء.
من نافل القول إنّ الإيرانيين تدخلوا، بل شاركوا مباشرة في الحرب الدائرة على أرض العراق ضدّ «داعش». ولعلّ صور قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، وهو يدير الحرب ميدانياً في أكثر من موقع، لا تحتاج الى إثباتات.
لكنّ مشاركة سلاح الجو الإيراني، على رغم «تخلّف» طائراته تقنياً، تعني أنّ إيران قد انضمّت عملياً الى قوى التحالف الدولي، في معزل عن أجندتها الخاصة، فيما القيادة فيه وتبعاً للإستراتيجية المتبنّاة، هي في يد واشنطن.
هناك تفسيرات عدة لمدلولات ما يجري منذ الإعلان عن تمديد المفاوضات النووية. يقول البعض «إنّ ما جرى قد يعبّر عن وجه من وجوه الصفقة التي تم التوصل اليها على بعض الملفات الإقليمية مع إيران». في حين يرى آخرون أنه إعلان إيراني عن تثبيت موقع طهران ودورها في العراق، قبيل انعقاد اجتماع وزراء دول التحالف في بروكسل منذ أيام.
لا بل يعتبر هؤلاء أنه محاولة من طهران لرسم خطوطها مع تزايد الحديث عن إنجازات سياسية وميدانية تولّتها واشنطن، سواء في ملف تسليح عشائر السنّة او في حلّ الخلاف النفطي بين بغداد واربيل.
غير أنّ آخرين يرون أنّ الأمر هو حصيلة السياسات الأميركية العرجاء والمتخبّطة في ملفات المنطقة، في ظلّ رهانها على دور تستطيع إيران أن تؤديه في إدارة شؤون الإقليم. وهي على أيّ حال وجهة نظر نائب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي انتوني بلينكن.
وتبعاً لأولئك الذين يتّهمون بلينكن بأنه يؤدي دوراً رئيساً في حمل الرئيس الأميركي باراك أوباما على تبنّي سياسات أكثر إنفتاحاً على طهران، تبدو السياسة الاميركية وكأنها في موقع منحاز الى الشّيعة ضدّ السنّة.
ويستدرك هؤلاء بالقول إنه ليس من الضروري أن يقود التحليل الى تبنّي وجهة نظر «تآمرية» تشير إلى تواطؤ أميركي مع إيران في مواجهة الغالبية السنّية.
ولعلّ تسريب الحديث عن امكان حصول تفاهم أميركي ـ تركي في سوريا، خصوصاً على إقامة المنطقة العازلة المحدودة، يُخفّف من وطأة نظرية المؤامرة تلك. في حين تؤكد أوساط أميركية مطلعة أنّ إستبعاد الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، هو جهد يحتاج الى كثير من التسويات والترتيبات والمقايضات في عدد من الملفات الإقليمية، من أفغانستان إلى «باب المندب».
على أيّ حال، يحرص المسؤولون الأميركيون على عدم التعليق كثيراً على قضايا تتصل بملف مفاوضاتهم مع إيران. لكنهم لا يخفون أنّ ما جرى لا يتعارض مع التوجهات العامة التي تحكم حتى الساعة إستراتيجية مواجهة «داعش» في العراق، مثلما أنها لا تتعارض مع التوافقات الإقليمية الأخرى على هذا الملف، وتحديداً مع دول الخليج العربي، وفي مقدمها السعودية.
ويستدلّ هؤلاء بما خرج به اجتماع بروكسل الذي أكّد مجدّداً الاستراتيجية ذاتها وأدواتها كما هي، للقول إنّ الجميع يتجه الى الإنتظام في هذه المواجهة، انطلاقاً من إحساسهم بخطورة ما يشكّله هذا التنظيم من تهديد لاستقرار المنطقة برمتها.