IMLebanon

طهران: الى الأستانة.. خذوني معكم

غياب إيران عن طاولة الاجتماعات في العاصمة التركية بعد اسبوع فقط على تواجدها في لقاء موسكو الثلاثي، لا بدّ أن تكون له أسبابه. حصة طهران في لقاء الأستانة هي وضع المراقب فقط كما يُقال بعدما كانت في لقاء موسكو قد نجحت في فرض نفسها على تركيا وروسيا، ووضعت شروطاً تعجيزية في موضوع الهدنة الشاملة عرقلت الطريق أمام اتفاقات أنقرة التي تمّت من دونها.

النفوذ الإيراني الميداني في سوريا لا يمكن حتى مناقشته او التشكيك فيه. لذلك لا بدّ من الاستماع الى ما تقوله طهران حتى ولو كانت الغائب الحاضر، الذي أفشل تفاهم الرئيسين الروسي والتركي في سانت بترسبرغ حول خريطة الطريق للتسوية في سوريا.

أنقرة وموسكو أعلنتا أنّهما الضامن لاتفاقية أنقرة، لكنّهما لم تعلنا أنّ طهران ستلتزم بموادها. طهران أيضاً لم تعلن أنّها لن تعترض على ما يتعارض مع مصالحها وحساباتها في سوريا، وهذا ما تفعله الآن في الغوطة ووادي بردى.

إيران تتصدّى كذلك لبند إرسال المراقبين الى سوريا حتى ولو كانوا روسيين من دون موافقة النظام، لأنّ ذلك يُعتبر خرقاً لسيادة البلاد!

مَن سيشارك في اتخاذ القرار خلال اجتماعات الأستانة لا بل مَن سيضمن التنفيذ إذا ما اكتفت إيران بالتفرّج والمتابعة؟و هل ستلتزم هي بما سيُفرَض عليها أو يُقال لها؟

مَن سيحمي حصة واشنطن إذا ما غابت هي الاخرى عن اجتماع كازاخستان؟ أولن تكون إيران هي مَن سيحاول أن يفعل ذلك؟

مَن سيفاوض نيابةً عن حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي السوري، إذا ما كانت إيران غير موجودة هناك؟

السياسي العراقي نوري المالكي قال قبل يومين فقط إنّ خطة إرسال الحشد الشعبي للقتال في سوريا لا تزال قائمة. المعروف أنّ الحشد الشعبي تدعمه وتموّله إيران. فكيف سينجح التفاهم التركي الروسي إذا ما كانت طهران تلوّح بسيناريوهات التصعيد في حال تعرّضت مصالحها السورية للضرر؟

مَن وقّع اتفاقية أنقرة عليه هو تحمّل مسؤولية تنفيذها. إيران لم تُدْعَ ولم توقّع وليست طرفاً فيها، لذلك هي حرّة في فعل ما تشاء.

طهران تريد إفشال لقاء الأستانة، لكنّها تريد أن يعلن ذلك الروس والاتراك بأنفسهم. هي تريد أن تقول أيضاً إنّها ليست هي سبب الفشل بل عدم إشراك أميركا والقوى العربية الفاعلة في الملف السوري والوحدات الكردية التي هي جزء أساسي من المجتمع السوري.

نجاح مؤتمر الأستانة سيُضعف إيران أكثر فأكثر في سوريا والمنطقة لأنّه سيحرمها فرصة أن تبقى الآلة العسكرية التي تجلس في منتصف طريق الحلّ في سوريا.

مشروع إيران في سوريا يختلف عن التصوّرات الروسية التركية هناك. التنافس أساساً لن يكون تركياً- إيرانياً في سوريا بل إيرانياً- روسياُ على مناطق مشترَكة بينها اللاذقية وشرق المتوسط، وجهة المشروع الاستراتيجي الإيراني.

تركيا عرقلت حتى الآن مخطط التمدّد الكردي في تلك المناطق، لكنّها قد تكون ومن دون أن تدري قدّمت في الوقت نفسه خدمة لإيران التي تخلّصت من العقبة الكردية من دون أن تتحمّل أية أعباء وخسائر . لكنّ إيران تبحث الآن عن الذي سيزيح لها روسيا من الطريق هذه المرة؟

روسيا اكتشفت متأخرة جداً حجمَ التباعد مع إيران في سوريا، لكنّ مشكلتها هي أنّها لا تثق بواشنطن وهي ستترك تركيا على حرّيتها في إنجاز عملية التفاهم الاستراتيجي مع بوتين، وهذا ما تلعبه طهران ضد الجميع هناك.

بحسب الاتفاق التركي الروسي، الأستانة ستسبقها لقاءاتٌ تحضيرية مكثّفة حول شكل الطاولة والحضور وجدول الأعمال وهدف الاجتماعات وطرق ترجمة قراراته عملياً على الارض في اتجاه التسوية السياسية في سوريا.

الرغبة الروسية التركية في الوصول الى شيء ما في الأستانة مهمة، لكنّ قرار البعض في العرقلة والتعطيل لا يقلّ أهمية، خصوصاً وأنّ إيران مثلاً تملك القدرات على الأرض لنسف أية تفاهمات لا تعجبها. إشراك واشنطن قد يشكّل فرصة أكبر لإنجاح الخطة، وربما مهمة أنقرة وموسكو هي كبيرة هنا في إقناع الادارة الاميركية الجديدة بأهمية ما يفعلان وفوائده للجميع.

فشلُ اتفاقية أنقرة يعني فشل جهود التحضير للأستانة، وبالتالي العودة الى السلاح الذي تراهن طهران على فرصه هو الأكبر في حسم المسألة بعد انتصار مشروعها في شرق حلب، الذي توّجته بمشاهد قاسم سليماني في المكان.

إنزعاجٌ إيراني واضح من التقارب التركي الروسي، ليس فقط لانّه يعرقل نفوذَها ومشاريعَها في سوريا، بل لأنّه سيقطع الطريق على خططها الإقليمية ككلّ لذلك ينبغي الرد السريع والمؤثر عليهما، أين وكيف ومتى ومع مَن؟ هذه هي الاسئلة التي تبحث إيران عن أجوبة لها في هذه الآونة.

إيران تملك القوة العسكرية لكنّها لاتملك إرادة السوريين وحتى بشار الأسد نفسه لن ينجح في إقناع مَن معه في مواصلة تبنّي المشروع الإيراني في سوريا.

إقتراحاتٌ الى أنقرة وموسكو في الأستانة… لا تتوقّفوا كثيراً عند العرقلة الإيرانية.

ضعوا نصب أعينكم حاجة الشعب السوري الى هذا اللقاء ورغبته في الخروج من أزمته ومحنته.

الذين يريدون إفشال اجتماع الأستانة كثر لكنّ الذين يريدون نجاحه أكثر. تردّد السوريين سيعطي إيران ما تريد من فرص في إفشال لقائهم. روسيا وتركيا وسيطان ولا بدّ أن يظلّا وسطين، أمّا الشريك فهو أطراف النزاع السوري- السوري ولا احد غيرهم.